"مرض بوتفليقة أضعف الجزائر أمام فرنسا والخليج"

+ -

يرى حليم بن عطا الله، كاتب الدولة سابقا لشؤون الجالية، أن الجزائر تعيش حالة ضعف دبلوماسي بسبب مرض الرئيس بوتفليقة، انعكس في شكل قرارات ومواقف أجنبية أصبحت تستغل هذه الحالة، ويرصد أمثلة لذلك في تعامل فرنسا ودول الخليج والساحل مع الجزائر.هل تعيش الجزائر في اعتقادك فترة حرجة في التعامل دبلوماسيا مع فرنسا ودول الخليج؟ ما أخشاه أن يتعرض بلدنا في السياق الوطني الحالي إلى سلسلة من الانتكاسات في الخارج، تمثل لبلدنا علامات تآكل في قدرتنا على الردع أو رد الفعل. لأنه إلى وقت مضى، كانت الجزائر أقوى في توقع وإحباط كل المحاولات التي تتجاوز معها أيا كان مصدرها.وهذا ما أصبح للأسف اتجاها عاما منذ انسحاب الرئيس بوتفليقة من الساحة الدولية لأسباب صحية.وفي أيامنا هذه، رؤساء الدول هم الفاعلون الدبلوماسيون الأوائل، وهم دائما في الصفوف الأولى وعلى كل الجبهات. لدي إحساس بأن العديد من الدول تستغل حاليا هذه الوضعية. يكفي فقط حصر مجموعة من الطعنات التي تعرضنا لها لتبين ذلك.هل من بين هذه الحالات ما جرى مع فالس مؤخرا وقصة الصورة؟ هناك أشياء لم يكن ممكنا أن تحدث لو كان الرئيس بوتفليقة في كامل صحته لأنه لم يكن يفوت شيئا في الجانب الدبلوماسي. انظروا إلى الكابوس السياسي والإعلامي للعلاقات الجزائرية الفرنسية الذي يتكرر في كل مرة، وأيضا ما يجري من مشاحنات وتجاذبات سياسية داخلية تمس بصورة الجزائر وشرفها إلى مستويات غير معهودة.لو لم تكن حالة الضعف هذه، لما كانت هناك هذه التغريدة من فالس، فتوظيف صورة الرئيس في الداخل عاد على أصحابه هذه المرة وأضر بصورة البلد كثيرا. أما فالس فقد قام في اعتقادي بالانتقام على طريقته والسبب يبقى مجهولا.والأدهى أن الوزير الأول الفرنسي لم يلق أي رد فعل رسمي يستنكر ذلك. وهل كنا نتوقع رد فعل بينما فالس يعلم بالتفصيل المصالح الخاصة في فرنسا لعدد من المسؤولين على أعلى مستوى أو المسؤولين السابقين، واعتمادهم المطلق على النظام الصحي الفرنسي، وهذا خطير.ما هي الحالات الأخرى التي انعكس فيها مرض الرئيس على تأثيرها الدولي؟ مثلا الخلاصة التي يمكن الخروج بها من القمة الخليجية المغربية الأخيرة، هو اعتبار العاهل المغربي محاورا في منطقة الغرب العربي يتم معه التفاوض مباشرة باستغلال غياب الرئيس الجزائري.لا ننسى أيضا تحالف دول “ساحل 5” (تشاد، مالي، النيجر، موريتانيا وبوركينافاسو)، والتي منها 4 دول حدودية للجزائر، والذي مر في صمت تام على الرغم من أنه يشكل ضربة دبلوماسية أخرى، وهي على علاقة مباشرة بأمننا. هذا التحالف يريد جعل الجزائر خارج اللعبة في الساحل، وهو يضم مالي التي فعلت الجزائر الكثير من أجل إحلال السلم بها.أيضا، ينبغي النظر حاليا إلى أن القرارات الكبرى المتخذة بشأن ليبيا تمت في المغرب أو تونس وليس الجزائر، وهو ما يهدف إلى إبعاد الجزائر في وقت اتخاذ القرارات الحاسمة.بالعودة إلى القمة الخليجية المغربية. كيف قرأت النتائج التي خرجت بها وهل كانت موجهة للجزائر في اعتقادك؟ دول الخليج كانت دائما تفضل المملكة المغربية في علاقاتها مع المغرب العربي، لكن ما يهمني بغض النظر عن الجزء الظاهر من هذه العلاقة، هي الرسائل المشفرة التي تم توجيهها إلى الجزائر خلال القمة الأخيرة لدول الخليج بمشاركة العاهل المغربي محمد السادس.أعتقد أن الرسالة الأكثر أهمية جاءت من المملكة العربية السعودية، التي ردت بطريقتها على ما حمله المبعوث الخاص للرئيس الجزائري إليها، بإشراك المغرب في القمة الخليجية، وقد كانت السلطات الجزائرية تهدف من وراء هذه الخطوة إلى تهدئة الاستياء السعودي من مواقف الجزائر في قضايا اليمن وسوريا و«حزب الله”.السعودية لديها ميل إلى اعتبار الجزائر دولة سهل التأثير عليها، ويمكن ضمان مساندتها العمياء في كل النزاعات التي دخلت فيها المملكة لغرض تصفية حسابات سياسية وعسكرية، رغم أن نتيجة كل المغامرات التي دخلت فيها كانت كارثية ولم تجلب سوى الدمار ومزيد من الإرهاب في المنطقة، سواء أكان ذلك في العراق أمس أو في سوريا واليمن اليوم، وهي كلها تدخلات تأتي في إطار صراع النفوذ مع إيران على المنطقة.من هذا المنطلق، نجد أن مصالح الجزائر والسعودية مختلفة تماما. والموقف المعلن من الجزائر يظل وفيا لمصالحها وتحليلها للصراعات السياسية في الشرق الأوسط والخليج. إذا كانت العربية السعودية، على السبيل المثال، قررت بدء مسار مواجهة مع إسرائيل من أجل استرجاع المسجد الأقصى، فلا يمكن حينئذ إلا أن تجد الجزائر معها في الصف الأول.وما هي المصالح التي حققها المغرب من وراء هذا التحالف؟ المغرب تضامن مع العربية السعودية، معتبرا أن ذلك يضمن مصالحه الوطنية وانتظر المقابل على ذلك. وقد جاء أخيرا هذا المقابل على شكل مجموعة من المنافع، ظهرت في بناء شراكة استراتيجية، كما سميت، والتي نسجها المغرب منذ عدة سنوات مع هذه القوى المالية، وهو ما يعني أيضا أن دول الخليج أدارت الظهر للجزائر التي أوفدت مبعوثا عنها للسعودية لمحاولة ترطيب الأجواء، إلى جانب الدعم الصريح المقدم للمغرب في قضية الصحراء الغربية، في الوقت الذي دخل المغرب في خلاف حاد مع مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة حول هذه القضية، مع الأخذ بالحسبان القدرة على الضغط التي تملكها دول الخليج على عدد من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن لدعم مشروع المغرب في الحكم الذاتي بالصحراء الغربية.على ضوء ما تقول، هل كانت محاولة الجزائر التقرب من السعودية خطأ في اعتقادك؟ أنا أطرح السؤال حول التوقيت الذي أرسلت فيه الجزائر مبعوثها إلى السعودية، فإذا كانت تعلم أن المغرب سيشارك في القمة الخليجية، فإن خطوتها هذه لا معنى لها ولم يكن هناك داع لاستمالة السعودية، لأنها قد حسمت موقفها.أعتقد أن المواقف المعلنة من الجزائر واضحة ولا ضبابية فيها، ولم يكن هناك داع أصلا لإيفاد هذا المبعوث أو توجيه الدعوة للملك السعودي لزيارة الجزائر، لأن هذه الخطوة أضعفت الجزائر وجعلتها تظهر وكأنها تبحث عن مصالحة مع السعودية. بينما السعودية من خلال الاستقبال الذي خصه مجلس التعاون الخليجي للعاهل المغربي، قد ردت الصاع صاعين للجزائر بسبب عدم مساندتها لها في تدخلاتها في الشرق الأوسط، ثم رفضها اعتبار “حزب الله” منظمة إرهابية.وما الذي كان ينبغي فعله دبلوماسيا من جانب الجزائر؟ هذا ما يطرح قدرتنا على المواجهة واستباق الأحداث. لا يكفي فقط التنبه إلى لعبة التحالفات الجيواستراتيجة أو إدانة المؤامرات الخارجية، فهذا أمر صار عاديا في العلاقات الدولية. وإنما ينبغي معرفة ما يتم تحضيره دبلوماسيا كرد فعل على موقف معين واستباق ذلك، خاصة إذا علمنا أن شيئا ما كان يرتب بين دول الخليج والمغرب.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات