+ -

لم تكن لانهيار قيمة الدينار أمام العملات الأجنبية إسقاطات سلبية على الاقتصاد الوطني والميزان التجاري فحسب، بل تمتد تداعيات هذا الأمر إلى مستويات أخرى، هي توجه المواطنين ممن يرغبون في قضاء العطلة خارج الوطن على الأورو والدولار، نحو السوق السوداء التي انتعش نشاطها في ظل ”عجز” البنوك عن تغطية الطلب المتزايد وثقل الإجراءات البيروقراطية المطبقة من قبل هذه المؤسسات المالية. وأدى هذا الوضع إلى نشوء ندرة في ”الدوفيز” في ساحات التداول، وطوابير طويلة أمام شبابيك البنوك، التي لم تعد قادرة على تلبية الطلب على منحة السفر إلى الخارج.إطارات وأطباء ومحامون يلجأون إليه  لتبديل العملةالتحويلات تبدأ من 10 وتصل إلى 100 ألف أورو في ”السكوار”مغتربون يمولون السوق السـوداء مقابل فوائد لم يجد المواطنون سوى السوق السوداء للعملة كحل للحصول على العملة الصعبة، لاسيما ”الأورو” والدولار، في ظل عدم قدرة القنوات الرسمية على مستوى البنوك التجارية على امتصاص الطلب المتزايد، خاصة في وقت الذروة المتزامن مع العطلة الصيفية التي يقبل فيها الجزائريون على السفر إلى الخارج والسعي لتغطية مصاريف موسم الحج الذي سينطلق بعد أيام. وفيما تفرض معاملات الصرف الرسمية عدم تجاوز مبلغ 130 أورو، باعتبارها المنحة السياحية المقررة قانونا، والتي لا يمكن الحصول عليها إلا بشق الأنفس، ولا ترتبط، بالمقابل، معاملات بيع ”الدوفيز” في السوق الموازية بقيم معينة، تؤكد الجولة الميدانية التي أجرتها ”الخبر” على مستوى سوق السكوار بساحلة بور سعيد، أن ”التجار” يمكنهم تأمين أي مبلغ مهما كان كبيرا، شريطة الاتفاق على السعر فقط، إذ أن عمليات التحويل تبدأ من مبالغ بسيطة جدا وتنتهي في صفقات لمبالغ ضخمة لا يمكن تصورها، وذلك من غير مساءلات حول مصادر هذه الأموال، في حين يعتمد هؤلاء على عدة مصادر للتمويل، على غرار التعامل مع الجزائريين المغتربين في الخارج الذين يستفيدون من جهتهم من نسب فوائد عن كل عملية، بالنظر إلى ارتفاع سعر العملة الصعبة في السوق السوداء بالمقارنة بالسعر الرسمي، إذ يتراوح الفرق بينهما بين 30 إلى 40 في المائة. وتحولت سوق السكوار ذات السمعة ”الوطنية”، بناء على هذه المعطيات، إلى قبلة” لكل من يرغب في تحويل العملة في بضع لحظات دون أي إجراءات إدارية معقدة، حيث قال ياسين، وهو تاجر عملة منذ عدة سنوات، ”إن العديد من الزبائن هم إطارات ومسؤولون في الدولة، بالإضافة إلى أطباء ومهندسين ومحامين، ذكر أنهم زبائن شبه دائمين لطبيعة وظائفهم التي تعتمد على سفر مستمر نحو الخارج خلال أداء المهمات الرسمية، التي أشار إلى أنها عادة ما تكون ذات طبيعة مستعجلة.وتبعا لعدم قدرة الحكومة والسلطات العمومية على إيجاد البديل عن السوق الموازية للعملة، فإن الحل الأمني الذي اضطرت الحكومة للجوء إليه، مؤخرا، عبر مداهمة الساحة وتوقيف بعض الشباب المتاجرين بالعملة، لم يكن له أي أثر على الصعيد الاقتصادي، من منطلق أن المشاكل الاقتصادية تحتاج إلى حلول اقتصادية وليس أمنية أو إدارية، بصرف النظر عن ”قوة نفوذ” الجهات التي تقف وراء السوق التي تتداول على مستواها كتلة نقدية ضخمة تقدر بالملايير، حيث اعترف الوزير الأول، عبد المالك سلال، بأن حجم السيولة النقدية المتداولة في القنوات غير الرسمية خارج البنوك تقدر بـ 3700 مليار دينار، بينما تقدر الأموال المتداولة ضمن الأطر الرسمية بـ 2324 مليار دينار فقط، فيما تظل الحكومة عاجزة عن إيجاد البديل عن السوق السوداء، ما يؤكده تماطل الجهات المسؤولة في مسألة إنشاء مكاتب الصرف المعمول بها في جميع دول العالم.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: