أقلام الخبر

غرس الصور بدل الأشجار

"الشجرة التي تُغرس بعدسة الكاميرا، فسرعان ما تذبل مع أول "نشرة أخبار".

  • 1025
  • 1:55 دقيقة

جميل أن تُصبح الجزائر "خضراء بإذن الله"، كما وعد صاحب المبادرة، فؤاد معلى، وجميل أن يستفيق الجزائريون على خبر غرس مليون شجرة أو أكثر في يوم واحد. رقم ضخم، ومشهد يبهج القلب، ويعيد إلينا الأمل بأن هذا الوطن الذي تآكلت أطرافه بالإسمنت والخرسانة، ما يزال قادراً على التنفس، وأن اللون الأخضر يمكن أن يعود إلى ربوعه كما كان يوماً.

لكن… بين الصورة الجميلة والفعل الحقيقي، مسافة كبيرة..فما أن انتشرت المبادرة، حتى انتشرت معها الصور كالنار في الهشيم: صور جماعية، وفردية، وثنائية، وثلاثية… حتى حسبنا أن الغرس المقصود هو غرس "الوجوه" في صفحات الفيسبوك، لا الأشجار في الأرض.

ترى رئيس بلدية ببذلته الرسمية وربطة عنقه اللامعة يمد يده إلى شتلة صغيرة وكأنه يلمس قطعة أثرية ثمينة. تقف بجانبه الكاميرات من كل الزوايا: لقطة جانبية، وأخرى أمامية، وثالثة مع ابتسامة محسوبة بدقة، كأننا في جلسة تصوير لمجلة "الأناقة السياسية".

أما الوالي أو المسؤول التنفيذي، فتجده يشارك في العملية بنظارات شمسية فاخرة، وأحذية براقة، وكأن المناسبة حفل استقبال رسمي وليس يوماً بيئياً يتطلب ملامسة التراب.

بل وصل الأمر ببعض البلديات إلى نشر ألبومات كاملة تضم عشرات الصور للمسؤولين، بينما لا تتجاوز الأشجار المغروسة في الميدان أصابع اليد الواحدة، وكأن الرسالة: "نحن غرسنا حضورنا.. فلتغرسوا أنتم الطبيعة".

الجزائريون، بطبعهم، يحبون المبادرات الجماعية الصادقة، وينخرطون فيها بحماس حين يشعرون أن الغاية نبيلة وليست مناسبة دعائية عابرة. لذلك رأينا المواطنين، من مختلف الأعمار، يحملون الشتلات ويغرسونها بأيديهم المتربة وبقلوبهم الصافية. تلك هي الصور التي تستحق أن تُخلّد، لأن فيها العفوية التي نفتقدها، والصدق الذي لا يحتاج إلى "كوستيم" أو "ربطة عنق" ليبدو جميلاً.

ما أجمل أن ترى تلميذاً صغيراً يغرس شجرة باسمه، أو عجوزاً يسقي غرساً زرعه أبناء الحي والبلدة، تلك الصور لا تحتاج إلى "مصور رسمي"، لأنها لا تُلتقط بالعدسة، بل بالإحساس.

الحقيقة، أننا لا نعيب على المسؤولين مشاركتهم، بل الطريقة التي حوّلت الفعل البيئي إلى عرض بروتوكولي. فالبيئة لا تعرف "المناصب"و"لا المراتب". الشجرة لا تميّز بين يد وزير ويد عامل، المهم أن تجد من يغرسها بصدق.

المبادرة رائعة، والفكرة تستحق الإشادة والاهتمام والمتابعة والتكرار، لكن إن أردنا أن تكون الجزائر خضراء فعلاً، فلنزرع أكثر ونصوّر أقل.فالشجرة لا تكبر بعدد "الإعجابات"، بل بعرق الأيادي التي غرستها في صمت.

وإن أردنا فعلاً أن تكون "الجزائر خضراء بإذن الله"، فلنزرع أكثر، ونصوّر أقل.لنترك الأشجار تتحدث عنّا بدل أن تتحدث الصور عنّا.الشجرة التي تُغرس بصمت، تُثمر كثيرا، أما الشجرة التي تُغرس بعدسة الكاميرا، فسرعان ما تذبل مع أول "نشرة أخبار".