مارين لوبان تطالب بحل البرلمان وتنظيم انتخابات تشريعية مسبقة ، وزعيم حزب فرنسا الأبية جون لوك ميلونشون يطالب بتصويت تنحية الرئيس ماكرون عن الرئاسة وتنظيم رئاسيات مسبقة للخروج من الأزمة السياسية. هذا حال فرنسا، حكومات تتساقط الواحدة تلوى الأخرى والجمهورية الخامسة على كف عفريت.
لم تحطم حكومة لوكورنو الرقم القياسي في قصر عمرها في عهد الجمهورية الخامسة، بحيث لم تصمد سوى يوما واحدا من الإعلان عن تشكيلتها وثلاث أسابيع من المشاورات لوزيرها الأول، بل أيضا أنها سقطت قبل حتى أن تقف أمام البرلمان وتعلن عن برنامجها ( السياسة العامة )، بحيث انفجرت من الداخل وانفلت عقد ما يسمى بـ "النواة المشتركة" التي كانت تجمع نواب تيار الوسط والجمهوريين والماكرونيين.
غبريان أتال الوزير الأول الأسبق قال أنه لم: "يعد يفهم قرارات الرئيس ماكرون ..." ، وهو الذي كان صنيعة يد ماكرون، وادوار فليب يدعو لإجراء انتخابات رئاسية مسبقة، لحل الأزمة في فرنسا، وهو الذي اختاره ماكرون ليكون وزيره الأول في بداية عهدته الأولى . مساندو ماكرون بدأوا يغادرون السفينة قبل 18 شهرا عن انتهاء العهدة الرئاسية، وهو ليس بالمفاجىء، لأن غبريال أتال تخلى قبله عن حزبه الاشتراكي والتحق بحركة ماكرون في 2017 وادوار فليب طلق حزبه اليميني وفعل نفس الشىء.
والسؤال المطروح، كيف لماكرون الذي جمع حوله في 2017، حزبي اليمين واليسار، وأفرغهما من كوادرهما، يجد نفسه تحت مقصلة حزبي اليمين واليسار. الجواب بسيط أن الذين "خانوا" أحزابهم طمعا في المناصب في 2017، هم أنفسهم الذين حفروا حفرة لماكرون ليقع فيها، بدليل أن حكومة لوكورونو أجهضت لأن حزب الجمهوريين لم يعجبهم تعيين وزير المالية الأسبق برونو لومير من جديد في الحكومة لأن له سوابق شخصية مع برونو روتايو الذي يتولى حاليا رئاسة الحزب خلفا لسيوتي الذي خان هو الآخر حزبه والتحق بحزب اليمين المتطرف طمعا في الاستوزار مع مارين لوبان .
الذين ينفرون من سفينة ماكرون اليوم، تعلموا منه " قلب الفيستة"، فهو كبيرهم الذي علمهم السحر، فالكل يتذكر كيف "غدر" بالرئيس هولاند في رئاسيات 2017 بحركة "الجمهورية إلى الأمام "، بعدما جاء به لقصر الاليزي وأخرجه من دهاليز بنك روتشيلد، وهو الذي غير "الفيستة " بالتخلى عن ثوابت توازنات السياسة الخارجية الفرنسية في الشرق الأوسط، ففي وقته تحول إلى داعم غير مشروط للكيان المحتل، وفي وقته دعم احتلال المغرب للصحراء الغربية، وفي عهده استقبل أحفاد "الحركى" بقصر الاليزي ونفى في تصريحات مسربة وجود أمة جزائرية قبل استعمار بلاده للجزائر في 1830، وبلسانه اعترف قبيل وصوله إلى الحكم بأن الاستعمار الفرنسي للجزائر كان جريمة ضد الإنسانية، قبل أن ينقلب عليها إرضاءا لأصوات اليمين المتطرف، وفي وقته تحولت "التأشيرات إلى وسيلة لـ " الشنطجة" و" الجزائر إلى محطة لـ "الضرب" و"الشيطنة" في المنابر الإعلامية الفرنسية، وفي وقته أضحى شتم الجزائر، ورقة انتخابية عند روتايو ومارين لوبان وزمور وسيوتي لإعادة إحياء الرواية الاستعمارية، دون أدنى ردع من حاكم السياسة الخارجية.
ماكرون الذي جاء بنظرية لا يمين ولا يسار وأسس خليطا سياسيا ما أصبح يسمى "الماكرونية" ، نجح في جعل طبخته المخبرية توصله إلى نفس وضعية الجمهورية الرابعة، حيث كانت سطوة الحزبية أقوى من سلطة الحكومات، فلا أغلبية برلمانية ولا حكومات قادرة على الصمود أمام أحزاب المعارضة، وحلول دستورية أحلاهما مر، مع فرق كبير أن الجنرال ديغول ليس ماكرون، فكان قدومه يمثل الحل بميلاد الجمهورية الخامسة التي صمدت إلى اليوم، بينما الشاب ماكرون الذي يفقه في الحسابات الاقتصادية وليس السياسية تحول من رأس الحل إلى بيت المشكلة، وهو بصدد دق آخر مسمار في نعش الجمهورية الخامسة، وطبعا مثلما كانت الجزائر سببا في سقوط الجمهورية الرابعة، فهي حاضرة بشكل أو بآخر في مشهد انهيار الجمهورية الخامسة.

التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال