منذ أن تولّى سيفي غريّب منصب الوزير الأول، خلفًا لنذير العرباوي، تبيّن بما لا يدع مجالا للشك أن المرحلة الجديدة تتطلّب ديناميكية مختلفة في التسيير، وأنّ رئيس الجمهورية أراد من خلال هذا التعيين نقلة في وتيرة أداء الجهاز الحكومي، تُقاس بالأفعال والميدان لا بالتصريحات، والعمل يكون في الواقع وليس في المواقع.
الزيارات الميدانية التي باشرها الوزير الأول إلى الولايات، الأكيد يجب ألا تكون مجرّد بروتوكولات، بل هي إشارة سياسية إلى أنّ الحكومة الجديدة تُبنى على فلسفة "المتابعة من الميدان"، لا من وراء المكاتب.
فكل خطوة في المصانع، وكل لقاء مع المستثمرين وأصحاب المشاريع المحليين، هي رسالة ثقة في قدرة الدولة على استعادة المبادرة الصناعية، وإعادة بعث المشاريع التي ظلت لسنوات تدور في حلقة الانتظار، أو تلك التي استرجعتها الدولة من العصابة وأذنابها.
اختيار الصناعة كأولوية في أجندة الحكومة الجديدة ليس صدفة.
فالصناعة هي قاطرة التنمية الحقيقية، وهي التي تضمن للبلاد استقلالًا اقتصاديا وتخفف عبء الاستيراد واستنزاف العملة الصعبة. لكنّ هذه الرؤية لن تتحقّق إلا إذا رافقتها إرادة تنفيذية صلبة تُواجه البيروقراطية ومقاومة "الخلايا النائمة" والمصالح الضيّقة التي عطّلت في السابق مشاريع واعدة، وأجهضت الكثير من المبادرات المحلية، تحدث عنها، بكل أسف، رئيس الجمهورية في عدة مناسبات.
عندما قال رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، إنّ سيفي غريّب هو "رجل الدولة الذي يثق فيه لتجسيد برنامجه"، فقد حملت العبارة "إشادة" و"رسالة" في الوقت ذاته. إشادة بقدرة الرجل على التجسيد الميداني، ورسالة ضمنية بأنّ المرحلة الجديدة لا تحتمل البيروقراطية ولا الأعذار.
فالثقة هنا ليست مكافأة سياسية، بل تفويض بمسؤولية جسيمة عنوانها التنفيذ والنتائج. وقد فهم المتابعون أن هذه العبارة حملت أيضًا نقدًا غير مباشر للمرحلة السابقة التي اتسمت بالجمود في الأداء الميداني، وبطء في تنفيذ التعهّدات.
اليوم، يقف الوزير الأول أمام امتحان مزدوج: الحفاظ على الثقة الرئاسية من جهة، وإقناع الرأي العام بقدرة الحكومة على تحقيق نتائج من جهة أخرى. والحقيقة أن الجزائريين لم يعودوا يكتفون بالخطابات الإصلاحية، بل ينتظرون أرقاما حقيقية تُترجم في نسبة بطالة متراجعة، ونسيج صناعي متوسّع، وميزان تجاري أكثر توازنا.
والحقيقة الأخرى هي أن "الثقة السياسية" لا يمكن أن تُمنح مرتين. وما ينتظره المواطنون من الوزير الأول سيفي غريّب ومن طاقمه الوزاري، ليس فقط زيارات ميدانية تُلتقط لها الصور، بل نتائج تُكتب في دفتر التاريخ. لأنّ التحوّل الاقتصادي الذي تنشده الجزائر يحتاج إلى رجال لا يكتفون بإدارة الملفات، بل يصنعون من الميدان مختبر قراراتهم.
الأكيد أن الوزير الأول يعرف أنّ الرأي العام اليوم بات أكثر وعيا ومتابعة، وأنّ المواطن لم يعد يكتفي بالخطابات، بل ينتظر أرقاما حقيقية تبرهن على تحسّن في مستوى المعيشة، ونمو في الإنتاج الوطني، واستقرار في الأسواق. ولهذا فإنّ النجاح في الامتحان لن يقاس بعدد الزيارات الميدانية، بل بمدى ترجمة تلك الزيارات إلى قرارات تُغيّر الواقع.

التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال