من قلب الجزائر العاصمة، وعلى خشبة المسرح الوطني الجزائري بقاعة مصطفى كاتب، يستعد عشاق الفن الرابع اليوم بداية من الساعة السادسة مساءا لخوض تجربة مسرحية استثنائية مع عرض "غدوة... يا من عاش"، الذي يعد بإعادة فتح جراح الذاكرة الجماعية وطرح أسئلة وجودية مؤلمة حول الحرب، العنف، والهوية الإنسانية.
رحلة في متاهة الذاكرة والجنون الإنساني
تنطلق المسرحية من حكاية تبدو بسيطة للوهلة الأولى: "أيبو"، جندي يقضي أيامه في ساحة المعركة وقد أرهقه الملل، قبل أن يفاجأ بزيارة والده على دراجة نارية إلى الجبهة. غير أن هذا اللقاء البسيط يتحول إلى بوابة نحو عوالم سريالية عبثية، حين يظهر جندي من العدو ليشهد على مشاهد تنسجها الحرب بدمائها ودمارها.
بيراندللو وأرابال في ثوب جزائري
يستند العرض إلى نص الكاتب الإسباني فرناندو أرابال، في معالجة فكرية مستلهمة من روح العبث التي ميزت أعمال بيراندللو. تولّى الإخراج بركاتي إبراهيم، بمساعدة شرقي إبراهيم، حيث نجحا معاً في خلق عالم بصري وفكري يفكك آليات اشتغال الحرب والعنف، ويعكس فوضى الواقع الإنساني في ظل هيمنة التكنولوجيا والاستهلاك واستلاب الإنسان لذاته وحواسه.
اختار المخرج فضاء مفتوحا خاليا من الديكور، ليجعل الضوء والظل والصوت أبطالا مكملين للعرض. وهكذا يتحول المسرح إلى مختبر بصري وصوتي تتفاعل فيه الأفكار مباشرة مع المتفرج، في غياب الحواجز والزخارف التي تخفي جوهر الألم الإنساني.
رسالة إنسانية تتجاوز الخشبة
في زمن تتصاعد فيه النزاعات وتتعالى أصوات الحرب، يأتي هذا العمل ليعيد التذكير بالثمن الإنساني الباهظ للعنف، وليدعو إلى التفكير في بدائل أكثر إنسانية تعيد للوجود معناه وللحياة قيمتها.
من خلال هذا الإنتاج، يؤكد المسرح الوطني الجزائري مجددا دوره كمنصة للتأمل والحوار الثقافي والفكري، ومساحة للتفكير في الأسئلة التي لا تملك إجابات جاهزة.
"غدوة... يا من عاش" ليست مجرد مسرحية، بل صرخة فنية وفكرية تضع الإنسان أمام مرآة ذاته، وتدعوه للتفكير في الغد... في الإرث الذي نتركه لمن سيعيش بعدنا. إنها رسالة إلى كل من عاش، وإلى كل من سيعيش، بأن مسؤوليتنا تجاه الإنسانية تبدأ من الوعي، وتنتهي بالأمل.
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال