الحمد لله الكريم الرحمن الرحيم الذي سقانا الغيث، وأدرّ علينا الأمطار؛ فارتوت الأرض وسالت الأودية، وفرح بهذا الغيث العميم الناس جميعا، الصغار والكبار والبهائم والدواب، قال تعالى: {وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد}، وإنه من الواجب علينا أن نشكر الله تعالى الذي ينعم علينا بهذه النعمة العظيمة التي لولاها لما كان حياة، قال تعالى: {وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون}، ولهذا كان عمر بن عبد العزيز يقول: ”قيِّدوا النعم بالشكر”.
هذا الغيث إنما نزل برحمة الله وحده وبفضله وجوده وإحسانه سبحانه وتعالى، أنزله الله رحمة بالناس وبالبهائم وبالدواب وبجميع الكائنات، ففرحوا به واستبشروا. أقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلم على الناس بعد أن صلى بهم صلاة الصبح في الحديبية على مطر كان من الليل، فقال: ”أتدرون ماذا قال ربكم؟”، قلنا: الله ورسوله أعلم، فقال: ”قال الله: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي، فأما من قال: مُطِرنا برحمة الله وبرزق الله وبفضل الله، فهو مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مُطِرنا بنجم كذا، فهو مؤمن بالكوكب كافر بي”. لذا، كان من السنة أن يقول المسلم بعد نزول المطر: ”مُطِرنا بفضل الله ورحمته”.
وإنزال الغيث من أعظم نعم الله وإحسانه إلى عباده؛ لما اشتمل عليه من منافعهم، فلا يستغنون عنه أبدا. فيجب عليهم أن يشكروه عليه؛ ومن شكره أن يضيفوه إليه وحده ويحمدوه عليه؛ فإن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها، والله جلّ وعلا هو المحسن المطلق الذي يجب أن تضاف إليه النعم كلها ويشكر عليها وحده لا شريك له في ذلك.
ومن السنة أيضا عند رؤية المطر أن يقول المسلم: اللهم صيّبا نافعا؛ اقتداء بالنبي صلّى الله عليه وسلم، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان إذا رأى المطر قال: ”اللهم صيِّبا نافعا”. ومن السنن المأثورة كذلك عند نزول المطر أن يحسر الإنسان شيئا من ملابسه حتى يصيبه المطر، تأسيا برسول الله صلّى الله عليه وسلم، فعن أنس رضي الله عنه قال: أصابنا ونحن مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم مطر قال فحسر رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثوبه حتى أصابه من المطر فقلنا: يا رسول الله، لِمَ صنعت هذا؟ قال: ”لأنه حديث عهد بربه”.
إن الماء حياة للبشر، وحياة للأرض، وحياة للدواب وللبهائم، ومتاع لنا ولأنعامنا، وفي نزول المطر البهجة والسرور وانشراح الصدور، يفرح بنزوله من يعرف بركته وأهميته، يشرب منه العباد والبهائم والدواب، وترتوي منه الأرض، وتجري فوقها الأنهار، وترتفع نسبة المياه في الآبار، وتهتزّ الأرض وتربو، وتُنبت أنواع النباتات والأشجار، مما فيه النفع للبشر والدواب، قال تعالى: {ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت أن الذي أحياها لمحي الموتى إنه على كل شيء قدير}.
والشكر سبب الزيادة وطريق السعادة، كما قال سبحانه: {وإذ تأذّن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم}، وأَخبر سبحانه أنه إنما يعبده من شكره، فقال عز وجل: {واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون}. ومن شكر نعمة الغيث أن نَتّقي المحظورات، وأن نتقرب إلى الله بالطاعات، وأن نكثر من النوافل والصدقات، وأن نؤدي زكاة أموالنا؛ لأن منع الزكاة يتسبب في حرماننا من نعمة الغيث، قال عليه الصلاة والسلام: ”ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم ما أُمطِروا”.
وإن وقت نزول الغيث من الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء، عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: ”تفتح أبواب السماء ويستجاب الدعاء في أربعة مواطن: عند التقاء الصفوف، وعند نزول الغيث، وعند إقامة الصلاة، وعند رؤية الكعبة”.
وإن شكر الله على نعمه من أجلِّ العبادات، وهي متوزعة على القلب، واللسان، والجوارح، والله عز وجل قد أولى هذه العبادة أعظم الاهتمام فأمر بها عباده، وأمر بها رسله، وكان نبينا صلّى الله عليه وسلم سيد الشاكرين يقوم الليل حتى تتورم قدماه، تقول له أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله، ألم يغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول: ”يا عائشة أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا”.
الخبر
30/11/2025 - 23:02
الخبر
30/11/2025 - 23:02
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال