قال الحافظ ابن الجوزي عليه من الله الرحمات: اعلم أنه لو اتسع العمر لم أَمْنع من الإيغال في كل علم إلى منتهاه، غير أن العمر قصير والعلم كثير، فينبغي للإنسان أن يقتصرَ من القراءات إذا حفظ القرآن على العشر، ومن الحديث على الصحاح والسنن والمسانيد المصنفة، فإن علوم الحديث قد انبسطت زائدة في الحد، والمتون محصورة، وإنما الطرق تختلف.
وعلم الحديث يتعلق بعضه ببعض وهو مشتهى، والفقهاء يسمونه علم الكسالى، لأنهم يتشاغلون بكتابته وسماعه، ولا يكادون يعانون حفظه، ويفوتهم المهم وهو الفقه، وقد كان المحدثون قديما هم الفقهاء، ثم صار الفقهاء لا يعرفون الحديث، والمحدثون لا يعرفون الفقه.
فمن كان ذا همة ونصح نفسه تشاغل بالمهم من كل علم، وجعل جل شغله الفقه، فهو أعظم العلوم وأهمها، وقد قال أبو زُرعة: كتب إليّ أبو ثور: فإن هذا الحديث قد رواه ثمانية وتسعون رجلا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، والذي صح منه طرق يسيرة. فالتشاغل بغير ما صح يمنع التشاغل بما هو أهم، ولو اتسع العمر كان استيفاء كل الطرق في كل الأحاديث غاية في الجودة، ولكن العمر قصير.
ولما تشاغل بالطرق مثل يحيى بن معين فاته من الفقه كثير، حتى إنه سئل عن الحائض أيجوز أن تغسِّل الموتى فلم يعلم، حتى جاء أبو ثور فقال: يجوز، لأن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أرجِّلُ رأس رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأنا حائض، فيحيى أعلم بالحديث منه، ولكن لم يتشاغل بفهمه، فأنا أنهى أهل الحديث أن تشغلهم كثرةُ الطرق.
ومن أقبح الأشياء أن تجري حادثة يُسأل عنها شيخ قد كتب الحديث ستين سنة فلا يعرف حكم الله عز وجل فيها، وكذلك أنهى مَن يتشاغل بالتزهد والانقطاع عن الناس أن يَعرِض عن العلم، بل ينبغي أن يجعل لنفسه منه حظًّا ليعلم إن زلَّ كيف يتخلص.. والله ولي التوفيق.
*إمام مسجد عمر بن الخطاب - بن غازي - براقي
الخبر
10/11/2025 - 00:00
الخبر
10/11/2025 - 00:00
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال