العالم

حرب الأجيال الهجينة بين عض الأصابع والمواجهة التماثلية

هنالك إدراك بأن ما يجري ليس مجرد ضربات عسكرية أو حرب محدودة، وإنما حرب وجودية شاملة.

  • 2610
  • 3:50 دقيقة
صورة: ح.م
صورة: ح.م

تشهد المواجهة بين إيران والكيان الصهيوني تطورا لافتا يجسد تحولا في طبيعة الصراعات الحديثة، حيث تتداخل فيها استراتيجيات "عض الأصابع" مع الحرب التماثلية والهجينة، ما يخلق معادلة أمنية معقدة تختلف عن الحروب التقليدية، فضلا عن توظيف حرب المعلومات.

تعد هذه الحرب انعكاسا لفائض القوة الذي يعيشه الكيان بعد طوفان الأقصى في أكتوبر 2023، حيث أضحى الكيان يعتقد أن لديه فائض قوة يجعله يستطيع الذهاب بعيدا في اعتداءاته ومنطقه التوسعي دون رادع، لاسيما أنه يحظى بدعم غربي وغطاء أمريكي، وسط ترتيبات لإعادة هندسة ورسم خارطة المنطقة بما يتواءم ومشروع الشرق الأوسط الجديد بصيغته الجديدة.

وهنالك إدراك بأن ما يجري ليس مجرد ضربات عسكرية أو حرب محدودة، وإنما حرب وجودية شاملة هدفها الاستراتيجي إسقاط النظام الإيراني كحد أعلى وكسره وإضعافه كحدّ أدنى للإذعان والقبول بالهيمنة الأمريكية والصهيونية على المنطقة. نجاح الكيان في تدمير القنصلية الإيرانية في دمشق واغتيال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان، وكذلك اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وتوجيه ضربات مركّزة في الداخل الإيراني أدت إلى اغتيال إسماعيل هنية وعدد من العلماء في مجال الطاقة النووية، التوغلات الصهيونية المتكررة في الداخل السوري وتدمير كامل مقدّرات الجيش السوري بعد سقوط النظام في دمشق، واحتلال مناطق بسوريا، تلك الأسباب وغيرها جعلت نتنياهو يشعر بأن الطريق أمامه ممهدة لتحقيق حلمه في تسيّد الشرق الأوسط الجديد الذي سعت الإدارات الأمريكية المتعاقبة إلى رسم خرائطه بالقوة.

تمثل هذه الاستراتيجية النهج الصهيوني المفضل في التعامل مع التهديدات الإيرانية، حيث تعتمد على ضربات محدودة ومتقطعة، وفق مبدأ "الصدمة والترويع" الذي يهدف إلى إضعاف الخصم دون الدخول في مواجهة شاملة، مع استهداف منظومة القيادة والسيطرة وتجنب التكاليف السياسية والعسكرية الباهظة والتركيز على الاغتيالات والعمليات السرية وخلق انكشاف أمني عبر الاختراقات وشبكات داخلية وتوظيف عناصر معارضة، وقد ظهر ذلك جليا في اغتيال العلماء النوويين الإيرانيين والهجمات السيبرانية على المنشآت النووية وتخريب المنشآت الصناعية الحساسة. إلا أن امتصاص إيران الضربة الأولى وإعادة التنظيم الداخلي وإحداث توازن في الردع حول المواجهة إلى نمط أو نموذج الحرب التماثلية والمواجهة المباشرة، فمع تصاعد التصعيد شهدنا تحولا نحو الحرب التماثلية التي تتميز باستخدام الأسلحة التقليدية بشكل مباشر واستهداف البنى التحتية العسكرية والحيوية والاعتماد على الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة.

 وكرس ذلك مواجهة مفتوحة بين جيشين نظاميين على عكس مواجهات الكيان السابقة بنمط الحروب اللامتوازية وتجلى ذلك في الضربات الصاروخية المتبادلة واستهداف المنشآت النووية والعسكرية والتهديدات المباشرة بين القيادتين.

وتمثل المواجهة الحالية بين إيران والكيان نموذجا مثاليا للحرب الهجينة، من خلال الدمج بين الوسائل العسكرية والسياسية والاقتصادية والحرب السيبرانية كأداة استراتيجية والحرب النفسية والإعلامية المكثفة.

ويتجلى ذلك في الهجمات الإلكترونية المتبادلة وحرب الإعلام والدعاية، فيما تبرز استراتيجية "عض الأصابع" لتجنب المواجهة الشاملة من قبل الكيان، التي تعتمد على التفوق التكنولوجي والأمني مع استخدام الحرب الهجينة عبر الضربات السيبرانية والاغتيالات، فيما تلجأ إيران إلى الحرب التماثلية لفرض الردع، بعد أن كانت تعتمد على الحرب الهجينة عبر حلفائها الإقليميين وتستخدم الصواريخ الباليستية كأداة ضغط رئيسية، علما أن هذه هي أول حرب مباشرة تخوضها إيران على أراضيها منذ أكثر من ثلاثين عاما، وهي حرب غير تقليدية على المستويات الجيوسياسة والعسكرية والاستخباراتية كافة.

وتتجه الحرب إلى إعادة تعريف مفاهيم الردع في المنطقة وتغيير موازين القوى الإقليمية واختبار نماذج الحرب الحديثة.

طهران تضرب عمق الكيان الحساس

وفي تصعيد نوعي للحرب الدائرة، نفذت إيران سلسلة ضربات دقيقة استهدفت مراكز حيوية في العمق الصهيوني، بما في ذلك البنية التحتية التكنولوجية والعسكرية، في تطور يعكس تحولا استراتيجيا في طبيعة المواجهة.

وقد ركزت الضربات الإيرانية على منطقة "CyberSpark" في بئر السبع، التي تضم مجمع "Gav-Yam 4" المتخصص في الأمن السيبراني ومنشأة أمنية بيولوجية مجاورة لمستشفى سوروكا وحديقة "غاف يام نيجيف" التكنولوجية. وقد استخدمت إيران في هذه الضربات صواريخ باليستية مزودة برؤوس حربية تزن أكثر من 300 كيلوغرام، ما تسبب في أضرار جسيمة بالمنشآت المستهدفة.

وشملت الهجمات الإيرانية في اليوم الثامن من الحرب 23 صاروخا أطلقت في الموجة الأخيرة، استهداف مناطق حيوية في حيفا وغوش دان والقدس وإصابة مجمع الوزارات الحكومية في القدس، مع وقوع إصابات في عدة مناطق.

وتمثل الضربات الإيرانية تحولا نوعيا في المواجهة، من خلال استهداف البنية التحتية التكنولوجية والعسكرية وضرب مراكز الأبحاث والمنشآت الحيوية وإرسال رسالة واضحة عن القدرة على الوصول إلى أهداف حساسة.

وقد أعلن الحرس الثوري الإيراني أن الموجة 17 من "الوعد الصادق 3" شملت قصفا مركبا بالصواريخ بعيدة المدى، بينما تتزايد الضغوط الدولية لاحتواء التصعيد، فيما تشير التقارير إلى أن إيران تحتفظ بقدرات صاروخية كبيرة (2000-3000 صاروخ)، والقدرة الإنتاجية تصل إلى 10 صواريخ يوميا، في وقت يمثل استهداف البنية التحتية التكنولوجية ضربة للقدرات الدفاعية الصهيونية. ويطرح التصعيد الحالي عدة سيناريوهات مع احتمال توسع نطاق المواجهة أو تدخل دولي لاحتواء الأزمة.

يذكر أن هذه الضربات تأتي في إطار تصاعد المواجهة المباشرة بين الطرفين ومحاولات كسر التوازن الاستراتيجي، مع سعي إيران لتحقيق ردع فعال، حيث إن هذه التطورات تمثل مرحلة جديدة في الصراع الإيراني-الصهيوني، مع إشارات واضحة إلى استعداد إيران لرفع سقف المواجهة وضرب أهداف استراتيجية بعمق الكيان الصهيوني.

لمعرفة المزيد حول هذه المواضيع