العالم

باريس تتجاهل "مسار العدالة التعويضية" لمستعمراتها السابقة

طالبت القارة خلال قمة الاتحاد الإفريقي الأخيرة بتعويضات عن جرائم الاستعمار وتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي.

  • 1568
  • 2:02 دقيقة
احدى مجازر الاستعمار الفرنسي، التفجير النووي ، رقان ، الجزائر
احدى مجازر الاستعمار الفرنسي، التفجير النووي ، رقان ، الجزائر

تصر فرنسا على تجاهل دعوات إفريقيا المتزايدة للعدالة التاريخية، رغم أن 19 دولة إفريقية طالبت خلال قمة الاتحاد الإفريقي الأخيرة بتعويضات عن جرائم الاستعمار وتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، في إطار تقرير إفريقي مفصل بعنوان "مسار العدالة التعويضية".

يقترح التقرير، الصادر يوم 19 جوان 2025 عن الاتحاد الإفريقي، أربع آليات للتعويض: إعادة القطع الأثرية المنهوبة، تقديم تعويضات مالية مباشرة، تمويل برامج تنموية طويلة الأجل وتقديم اعتذارات رسمية من الدول الاستعمارية وعلى رأسها فرنسا.

ورغم أن دولا مثل ألمانيا وبلجيكا أعربت عن انفتاح جزئي لمناقشة المطالب، اختارت فرنسا، إلى جانب بريطانيا، الوقوف في مربع الرفض الضمني، معتبرة أن هذه المطالب "معقدة قانونيا وتاريخيا".

هذا الموقف الفرنسي يعاكس التوجه العالمي المتنامي نحو الاعتراف بمآسي الحقبة الاستعمارية. ففي عام 2022، اعترفت ألمانيا بمذابح ناميبيا وقدمت حزمة مساعدات تنموية بقيمة 1 مليار أورو كـ"إطار رمزي للتعويض". وفي عام 2023 شرعت متاحف أوروبية في إعادة قطع أثرية مسروقة، أبرزها "برونزيات بنين" إلى نيجيريا، كما تبنّت الأمم المتحدة في 2024 قرارا غير ملزم بإنشاء صندوق دولي لتعويض ضحايا الاستعمار.

وكما تفعل مع ملف الذاكرة مع الجزائر مازالت باريس تراوغ للتهرب من المسؤولية والعدالة والإنصاف، متشبثة بخطابها التقليدي القائم على الإنكار والتهرب من المسؤولية التاريخية، رغم أن إفريقيا قدمت ملفها بأرقام موثقة ووثائق دامغة.

ومع اقتراب الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2025، من المنتظر أن تطرح هذه المطالب بشكل رسمي، وسط تحذيرات من تفاقم التوتر بين الجنوب المقهور وبين والدول الأوروبية ذات النزعة الاستعمارية النيوكلونيالية، خاصة إذا لم يقابل الملف بردود واضحة.

الملاحظ أن فرنسا قد فقدت ما تبقى من مصداقية لديها في علاقاتها الإفريقية، بعد تشبثها بخطابها المتعالي وموقفها الاستعماري بدل الانخراط في مسار تصحيحي حقيقي، بعيد عن الشعارات الفارغة التي تعيد إنتاج الوصاية على الأفارقة بمظهر مختلف.

يأتي هذا التعنت في وقت عبرت الجزائر، من المنابر الأممية والإفريقية، عن موقفها الثابت للدفاع عن الشعوب المستعمرة والقضايا العادلة في العالم وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والصحراء الغربية، وهو موقف نابع من تمسكها ببيان أول نوفمبر 1954، الذي لم يتوقف شرطه على استقلال الجزائر الكامل، بل طالب فرنسا بالاعتراف الرسمي بحق كل الشعوب المستعمرة في الأرض.

وفي هذا الشأن كانت القمة العادية الـ38 للاتحاد الإفريقي التي أقيمت في فيفري 2025 بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، التي حضرها قادة الدول الإفريقية، قد أدانت الاستعمار والعبودية، وهو قرار ينسجم مع بيان أول نوفمبر 1954 بالجزائر.

ومما يعزز الجهود الإفريقية لإلزام فرنسا الاستعمارية بالتعويض والاعتذار اعتماد قمة الاتحاد الإفريقي الأخيرة موضوع "التعويضات للأفارقة وللأشخاص من أصول إفريقية عن الفترة الاستعمارية والعبودية" كقضية محورية تهدف إلى معالجة المظالم التاريخية وتعزيز المصالحة، وهو مسعى قادته الدول التي ذاقت مرارة الاستعمار.