الوطن

الأزمة الدبلوماسية مع فرنسا: "قرارات الجزائر سيادية وصحيحة"

باريس خرقت الإجراءات القانونية المعمول بها في تعيين الأعوان الأمنيين.

  • 4337
  • 4:07 دقيقة
صورة: ح.م
صورة: ح.م

أكد الدكتور فاروق قرنان، أستاذ القانون الدولي العام، أن طلب الجزائر الأخير بترحيل فوري لجميع الموظفين الفرنسيين الذين تم تعيينهم في ظروف مخالفة للإجراءات المعمول بها، قرار سيادي صحيح جاء رداً على خروقات باريس للإجراءات القانونية المعمول بها في تعيين الأعوان الأمنيين، إضافة إلى انتهاك الاتفاقية الثنائية المبرمة سنة 2013، لاسيما ما يتعلق بالإخطار المسبق وتبادل الامتيازات بين الطرفين.

كيف تقرأ قرار الجزائر إعلان أعضاء في البعثة الفرنسية أشخاصا غير مرغوب فيهم وما تلاه من طلبات وجهت للجانب الفرنسي بترحيل الموظفين الفرنسيين الذين تم تعيينهم في ظروف مخالفة للإجراءات المعمول بها؟

في البداية يجب أن نوضح أن العلاقات بين الدول تمارس في إطار منظم يحكمه القانون الدولي، من خلال العديد من الاتفاقيات الدولية الثنائية ومتعددة الأطراف، إضافة إلى القواعد العرفية التي كرستها الممارسة الدولية منذ قرون. وتعتبر البعثات الدبلوماسية والقنصلية القنوات الرسمية الأساسية للتواصل بين الدول بهدف توطيد العلاقات وتعزيز التعاون وإنماء مجالاته، فضلاً عن حماية مصالح رعايا الدولة الموفدة لدى الدولة المضيفة.

وقد جاءت اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لسنة 1961 واتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لسنة 1963، لتضعا إطاراً شاملاً من القواعد الموضوعية والإجرائية المتعلقة بممارسة العمل الدبلوماسي والقنصلي، بما في ذلك تعيين رؤساء وأعضاء البعثات وإنهاء مهامهم والحصانات والامتيازات التي يتمتعون بها، وواجباتهم تجاه الدولة المضيفة، لا سيما احترام قوانينها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.

هل هناك فرق بين رئيس البعثة وأعضائها من حيث التعيين والاعتماد؟

بالفعل، فقد فرقت اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية (ونفس الشيء قامت به اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية) بين رئيس البعثة وأعضاء طاقم البعثة، فالرئيس لا يمكن تعيينه إلا بموافقة مسبقة من طرف الدولة الموفد إليها ولا يمكن مباشرة عمله إلا بعد حصوله على أوراق الاعتماد، بينما أعضاء البعثة يخضع تعيينهم ومباشرة عملهم لإجراءات بسيطة تتمثل في إخطار الدولة الموفد إليها فقط دون الحاجة إلى موافقة مسبقة باستثناء بعض الفئات التي حددتها اتفاقية فيينا على سبيل الحصر وهم الملحقين العسكريين والبحريين والجويين.

كما ميّزت اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية أيضا بين ثلاث فئات تشكل أعضاء طاقم البعثة وهي أعضاء الطاقم الدبلوماسي، الطاقم الإداري والفني، طاقم الخدم، فأعضاء الطاقم الدبلوماسي ونظرا لمهامهم ذات الطابع السياسي والرسمي، يتمتعون بحصانات وامتيازات واسعة بموجب اتفاقية فيينا، ويحملون جوازات دبلوماسية تقدم لهم العديد من التسهيلات، بينما الفئات الأخرى لا تتمتع بهذا القدر من الحقوق وتحمل جوازات سفر خدمة تمنحهم بعض التسهيلات المحدودة.

بناء على ذلك ما هو السند القانوني الذي يبرر إعلان الجزائر 15 مسؤولا أشخاصاً غير مرغوب فيهم؟

اعترفت المادة 9 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية والمادة 23 من اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية الدولة المعتمد لديها، بالحق في اعتبار أي عضو من أعضاء البعثة الدبلوماسية أو القنصلية شخصا غير مرغوب فيه، كما ألزمت نفس المادتين الدولة الموفدة أن تقوم باستدعاء الشخص المعني أو إنهاء مهامه.

وعلى الرغم من أن القانون الدولي يعفي الدولة المعتمد لديها من تبرير أو تفسير قرارها باعتبار عضو أو مجموعة أعضاء في البعثة أشخاصا غير مرغوب فيهم، إلا أن المقال الصادر عن وكالة الأنباء الجزائرية (في ظل عدم صدور بيان رسمي عن الخارجية) يشير إلى تسجيل خروقات مستمرة من طرف الجانب الفرنسي للإجراءات المعمول بها عند تعيين أعضاء طاقم البعثتين الدبلوماسية والقنصلية، لا سيما ما يتعلق بالإخطار أو الإبلاغ المسبق.

وحسب نفس البيان فإن فرنسا منحت لهؤلاء الأشخاص جوازات سفر دبلوماسية بعدما كانوا يحملون جوازات سفر الخدمة، وهو تصرف غريب ومريب ومن الصعب فهمه كون "جواز السفر الخدمة" حسب القانون الفرنسي (المرسوم رقم 2005-1726 الصادر في 30 ديسمبر 2005 المتعلق بجوازات السفر) يمنح من طرف وزارة الداخلية لصالح بعض الفئات الذين يقومون بمهام خارج فرنسا وتخدم المصلحة الوطنية بشرط عدم امتلاكهم لجواز سفر دبلوماسي، بينما الفئات التي يحق لها التمتع بالجواز الدبلوماسي محددة على سبيل الحصر وفقا لقرار وزير الشؤون الخارجية الفرنسي المؤرخ في 11 فيفري 2009 ومن بينها أعضاء الطاقم الدبلوماسي والقنصلي مثلما هو محدد في المرسوم 69-222 المتعلق بالمركز الخاص للأعوان الدبلوماسيين والقنصليين.

بالإضافة لذلك، هل يشكل هذا التصرف خرقاً لأي اتفاقيات ثنائية بين الجزائر وفرنسا؟

تنص المادة 5 من اتفاقية الإعفاء المتبادل من تأشيرات الإقامة القصيرة الأجل لحاملي جوازات السفر أو للخدمة بين الجزائر وفرنسا الموقعة في 16 ديسمبر 2013 (الجريدة الرسمية العدد 37 لسنة 2014) على ضرورة قيام الطرفين بإبلاغ الآخر بأي تعديل يطرأ على شروط منح الجوازات الدبلوماسية أو للخدمة قبل 60 يوم على الأقل من البدء بالعمل بها، والواقع يقول إن فرنسا لم تقم بأي تغييرات في هذه الشروط، ما يعني أن الأشخاص الذين تم منحهم جوازات سفر للخدمة لم يكونوا مؤهلين للحصول على جواز سفر دبلوماسي وبالتالي فإن تعيينهم في الجزائر لم يكن ضمن الطاقم الدبلوماسي أو القنصلي إنما كأعضاء في الطاقم الإداري والفني، وأن منحهم الجواز السفر الدبلوماسي يجعل مركزهم القانوني مختلفا، وبالتالي فإنه كان لزاما على فرنسا القيام بإخطار وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية بذلك وهو الواجب الذي قام بالإخلال به حسب المعلومات التي قدمها المقال الصادر عن وكالة الأنباء الجزائرية.

ما هي خلاصة موقف الجزائر من الناحية القانونية؟

الخلاصة هي أن الجزائر اتخذت قرارا سياديا وصحيحا بإعلانها 15 عونا دبلوماسيا وقنصليا أشخاصا غير مرغوب فيهم كما أن فرنسا خالفت الإجراءات المعمول بها لتعيين الأعوان الدبلوماسيين والقنصليين ومباشرة عملهم والتي تتطلب الإخطار المسبق، بالإضافة للموافقة المسبقة إذا تعلق الأمر بالملحق العسكري أو البحري أو الجوي وخالفت باريس الاتفاقية الثنائية لسنة 2013 برفضها لعدة مرات دخول حاملي الجوازات الدبلوماسية الجزائرية إلى الأراضي الفرنسية.