ثقافة

حين يكون المسرح حيا.. يكشف المرض

"الهاربات" للمسرح الوطني التونسي تلفت انتباه الجمهور.

  • 107
  • 1:29 دقيقة
الصورة: ح.م
الصورة: ح.م

عرضت مسرحية "الهاربات" لمسرح تونس، سهرة أمس، ضمن الدورة 18 للمهرجان الوطني للمسرح المحترف أمام جمهور لم يستوعبه فضاء المسرح الوطني، لكنه استوعب العرض منذ لحظته الأولى.

العرض الذي حضرته وزيرة الثقافة والفنون، مليكة بن دودة، شد انتباه الجمهور منذ بدايته، تفاعل معه وصفق له طويلا في الختام، بدا كأنه رد فعل مباشر على مستوى فني عال من حيث الأداء والإخراج، واللغة المسرحية.

 والحقيقة أنه ليس من السهل الخروج من العرض مرتاحا لأنه لا يسعى إلى الإرضاء بل زعزعة الراحة وكسر التلقي المطمئن، كما لا يحاول إقناع المتفرج، بقدر ما يتعمد إزعاجه ليضعه داخل قلق مفتوح.

 نلمس هذا من خلال الهروب من واقع يفتقد إلى ملامح واضحة، ومن لغة فقدت قدرتها على التغيير، ليفتح المجال أمام أجساد تتحرك على خشبة شبه فارغة تتكلم بالصمت لتعيد السؤال إلى قلب المشهد.

 العرض، حسب رأيي، لا يشرح ولا يقدم حلولا، بل يضع الواقع أمام مرآة جارحة وفاضحة ثم ينسحب.

 تظهر الخشبة وكأنها وطن مؤقت أو محطة انتظار بلا مواعيد، الضوء لا يضيء بقدر ما يوحي، يتراجع تاركا الأجساد تتقدم بوصفها اللغة الأولى والأخيرة، ليصبح الكلام قليلا والصمت كثيفا، وكل حركة تحمل ما عجزت الكلمات عن قوله.

 الشخصيات بلا أسماء، هم الأفراد وهم الجماعة في الآن نفسه.. فبين التوتر والانكسار، وبين الرغبة في النجاة والخوف من الوصول، يطرح السؤال مِمَ نهرب؟ وإلى أين؟ النص يفتح أبواب التأويل على مصراعيها ويمنح المتفرج سلطة المشاركة في صياغة المدلول.

 في النهاية "الهاربات" عرض يثير الإعجاب كما يثير الجدل، لا يبحث عن الإجماع بقدر ما يبحث عن الصدام الجمالي والفكري.. صدام يضع المتفرج في قلب التجربة لا على هامشها، وهو ما دفع الجمهور الحاضر يُدفع إلى وضعية مقارنة مع المسرح الجزائري الذي قيل عنه قبل أن تقوله وزيرة الثقافة والفنون "المسرح مريض" في حاجة إلى وصفة.. رسالة أكدها هذا العرض بوضوح، حين أثبت أن المسرح عندما يكون حيا، يفضح المرض. علي جري