بعد ثلاثة أيام من المناقشة والأسئلة والمداخلات تداول عليها النواب وتلاها رؤساء المجموعات تحت قبة المجلس الشعبي الوطني، ردّ وزير المالية عبد الكريم بوالزرد دفاعا على رؤية الحكومة لمشروع قانون المالية لسنة 2026، غير أنه لم يشرع في الإجابة إلاّ بعد رفع استفهام ينطوي على انتقاد ضمني للنواب.
الوزير بوالزرد تساءل عن مغزى الاستفهام حول القواعد المتعارف عليها في تسيير الاقتصاد بما في ذلك الاقتصادات في البلدان المتطورة، وكأنه يوجه انتقادا لمداخلات بعض النواب، على الرغم من أنه أشار إلى أنه يحترم جميع الآراء ويقدّرها، من منطلق أن الهدف واحد وهو الدفاع عن مصالحة الوطن ذاته.
وأوضح الوزير، في سياق رسم الإطار العام لرده، أنّ مشروع الميزانية وإن كان يخص السنة المقبلة، إلاّ أنّها أعدت لثلاث سنوات وفقا لما ينص عليه القانون العضوي لقوانين المالية رقم 18/15، ووصف هذا الأسلوب بـ"الفخ" كونه يربط الحكومة بمسار قد يكون غير ممكن التحقيق.
ومع هذا، لم يجد ممثل الحكومة بدا من الدفاع عن فحوى القانون، مستدلا بالمؤشرات العامة للاقتصاد الوطني، على اعتبار أنّه يسجل مؤشرات إيجابية تؤكد صحة المسار الذي انتهجته البلاد، وهو ما تعكسه نسب النمو المسجلة التي أشار إليها خلال عرضه الأولي لمشروع القانون، والحفاظ على التوازنات الخارجية مع تراجع التضخم، مبرزا أنّ الجهود متواصلة لتسريع الرقمنة والإصلاحات المالية والجبائية والميزانياتية.
وأوضح وزير المالية، أيضا، أن ما تحقق خلال السنوات الماضية، دليل على التحوّل الذي يشهده الاقتصاد الوطني الذي خرج "فعلا" من منطق الريع نحو تنويع حقيقي للمداخيل، مشيرا إلى أن هذا التوجّه كان الأساس الذي بنيت عليه ميزانية السنة المقبلة، في إطار سياسة مالية تهدف إلى تعزيز النمو وتحسين إدارة الموارد العمومية، وبالتالي فإنّ السياسات الاقتصادية والمالية المتبعة مكنت من الحفاظ على التوازنات الخارجية، مؤكدا أنّ الاقتصاد الجزائري يسير في "الاتجاه الصحيح".
الدفتر العقاري الإلكتروني قريبا
بالموازاة، تم تكثيف الجهود على مستوى مختلف الإدارات لإتمام عملية الرقمنة في أقرب الآجال، قصد بناء قاعدة بيانات موحدة تتيح تسهيل مختلف المعاملات، وتساهم في تعزيز مسار الإصلاحات الجارية، والعمل على مواكبة الإدراة لوتيرة سير الأنشطة الاقتصادية والاستثمارات.
في هذا الصدد، سجل الوزير ملاحظة أنّ عملية الرقمنة في قطاع المالية تشهد تقدما "مُرضيا"، حيث أصبحت لوزارة المالية قاعدة بيانات تشمل ممتلكات المواطنين والمؤسسات، مع توقيع اتفاقيات تعاون مع هيئات أخرى لتبادل المعلومات، يضيف بوالزرد الذي كشف أنه سيكون في إمكان المواطنين مطلع سنة 2026 الحصول على الوثائق الإدارية الخاصة بأملاكهم عن بعد، في خطوة تعد "قفزة نوعية" نحو إدارة رقمية حديثة.
كما سيشرع خلال السداسي الأول من السنة المقبلة في العمل بالدفتر العقاري الإلكتروني، الذي سيتيح تحيين المعلومات العقارية بصفة سهلة مع تبسيط المعاملات بين المواطنين والإدارة، وبالتالي تسهيل إحصاء هذه الأوعية وحصول المتعاملين عليها.
قاعدة بيانات لتفعيل الدعم الموجّه
أما على مستوى الإدارة الجبائية، فسيتم مع نهاية السنة الجارية إطلاق نظام رقمي شامل يضم جميع ملفات التجار والمتعاملين الاقتصاديين، ما سيضمن شفافية أكبر و"يمنع أي تلاعب بالملفات أو حقوق الدولة والمواطنين".
وبخصوص تسيير الميزانية، كشف الوزير أنها ستعرف بداية السنة القادمة تحولا جذريا يتمثل في الاعتماد الكلي على المعاملات إلكترونية، بما يسهّل عملية صرف الأجور وجمع الإحصائيات ومتابعة العمليات المالية، على أن تشمل الرقمنة في مرحلة لاحقة الخزينة العمومية.
وستمكن رقمنة عمليات تنفيذ الميزانية من تحسين إدارة السيولة، لاسيما فيما يتعلق بمستحقات الشركات والعمليات الاستثمارية، فيما ستتمكن الخزينة بفضل نظام المتابعة الإلكترونية من تحديد الجهات التي لم تستهلك الاعتمادات المرصودة، وهو ما يتيح ضبط النفقات ويحسن كفاءة الإنفاق العمومي.
وفي تطرقه إلى ملف دعم المنتجات ذات الاستهلاك الواسع التي تندرج ضمن الحفاظ على الطابع الاجتماعي للبلاد، أكد بوالزرد أن "تسريع الرقمنة بهدف استحداث قاعدة بيانات متكاملة تتضمن كل المعلومات حول المواطنين، من شأنها أن تمكن من تطبيق نظام الدعم المباشر لصالح المواطنين المحتاجين إليه"، بدلا من تعميم الدعم على الأسعار.
غير أنّ المتحدث كشف أن اللجنة المكلفة بدراسة إعادة توجيه الدعم لم تُنصَّب بعد، بسبب غياب المعطيات الدقيقة وتأخر عملية الرقمنة، مشددًا على أن عقلنة الدعم لن تتحقق إلا بعد إنشاء قاعدة بيانات صحيحة وموثوقة تسمح بتوجيه الدعم إلى مستحقيه الفعليين.
صفقات عمومية تراعي خصوصية الجنوب
تعمل وزارة المالية كذلك على مراجعة وتبسيط الإجراءات الخاصة بالصفقات العمومية، وذلك في إطار قانون الصفقات العمومية الجديد الصادر سنة 2023، يضيف الوزير الذي أشار إلى أن عدم صدور المرسوم التنفيذي الخاص بهذا القانون راجع لإدخال تعديلات تسمح بتبسيط الإجراءات.
كما أن التعديلات ستسمح بمراعاة خصوصية المناطق الجنوبية، يقول الوزير، مضيفا أن الوزارة تسعى "لوضع نظام خاص للصفقات العمومية في الجنوب"، موضحا أن التعديلات ستضمن نجاعة تنفيذ المشاريع ومتابعتها الميدانية، إضافة إلى إدخال طرق عمل رقمية جديدة في تنفيذ الميزانيات، حيث سيتم الاستغناء عن الوثائق الورقية بين الآمرين بالصرف والمحاسبين العموميين، واعتماد نظام إلكتروني آني لتتبع العمليات المالية.
وبالنسبة لتدابير التسوية الجبائية الطوعية المقترحة في مشروع القانون، التي تتيح للتجار والمتعاملين الاقتصاديين تسوية وضعيتهم مقابل دفع 10 بالمائة من المبالغ المصرح بها، أكد الوزير أنّها تختلف عن تجربة 2016 التي "لم تحقق النتائج المرجوة"، لافتا إلى أن المادة التي تخص معالجة المستحقات الجبائية المتأخرة هدفها تحسين التحصيل الجبائي.
تغطية العجز بالمديونية الداخلية
في رده على أحد النقاط التي تكررّت في مداخلات النواب، أكد وزير المالية، عبد الكريم بوالزرد، أن تمويل العجز في مشروع قانون المالية لسنة 2026 وتغطية العجز المتوقع البالغ حوالي 5000 مليار دينار، سيتم عن طريق المديونية الداخلية، مستبعدا أن يكون لذلك آثار كبيرة على الاقتصاد أو التضخم أو الأسعار.
وفي سياق التعليل، أشار إلى أنّ مجموع الدين الداخلي بلغ حوالي 18 ألف مليار دينار جزائري، منها 7000 مليار دينار ناتجة عن تمويل عجز الميزانيات السابقة، و6000 مليار دينار مصدرها الدين غير التقليدي، بالإضافة إلى القروض الموجهة للمؤسسات العمومية، لاسيما سونلغاز من أجل إنتاج الكهرباء وتحلية المياه.
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال