الوطن

"الجزائر شريك موثوق لاستقرار المنطقة"

تبنت مقاربة متوازنة تتراوح بين مبدأ عدم التدخل والحفاظ على الأمن القومي.

  • 2364
  • 4:36 دقيقة
الصورة: رئاسة الجمهورية
الصورة: رئاسة الجمهورية

يرى محللون أن الجزائر تحافظ على مواقفها المبدئية الثابتة إزاء حل النزاعات التي تعرفها دول الجوار، وفي مقدّمتها ليبيا ومالي والنيجر، وهو ما تؤكده التصريحات الأخيرة لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون خلال لقائه الدوري مع ممثلي وسائل الإعلام الوطنية.

قال الباحث في الشؤون الإستراتيجية، رشيد علوش، إن أهم جزئية أكد عليها الرئيس تبون تجاه الأزمات التي تعرفها مجموعة من دول الجوار، أن الجزائر تستند على مبادئ راسخة توجه عمل سياستها الخارجية والتي تم مراكمتها منذ حرب التحرير الوطني، وأهمها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

وتابع رشيد علوش مستدركا في تصريح لـ"الخبر": "ولكن هذا لا ينفي حقيقة تكييف الجزائر لمواقفها لتعزيز موجبات أمنها القومي، وبما يحفظ السلم والأمن في المنطقة".

وأضاف من هذا المنطلق أن رئيس الجمهورية أكد على سياسة حسن الجوار كعقيدة راسخة عند التعامل مع دول الجوار، والرفض المطلق للتدخل في شؤونهم الداخلية، مع تأكيد الاستعداد الدائم للمساهمة في إيجاد حل للأزمة في مالي عبر الحوار والتوافق والتسوية بين كل القوى الفاعلة المالية، بشرط أن تكون ملكية العملية للماليين، وصولا إلى ضرورة إدراك القوى غير الدستورية في مالي أنها ارتكبت خطأ إستراتيجيا قاتلا تم تكراره منذ 1960 حينما تعتقد أن الحل في شمال مالي يكون بالقوة العسكرية، رغم أن التجربة التاريخية أثبتت عكس ذلك تماما.

ومن هذا المنطلق، أكد الرئيس تبون -حسب الدكتور علوش- إن الجزائر تظل مستعدة لمساعدة الأشقاء الماليين ولن تتخلى عنهم، بشرط أن يكون بموافقتهم، ولكن أيضا دون توجيه مسبق من قوى فاعلة خارجية رهنت سيادة الشعب المالي عبر تكريس الوضع القائم، وصولا إلى إشكالية انتشار المرتزقة في المنطقة ما زاد الوضع الأمني تعقيدا، سواء في ليبيا أو مالي، وهو الواقع الذي ترفضه الجزائر مطلقا، وتم التعبير عن هذا الموقف للقوى الفاعلة المتدخلة في المنطقة، على حد تأكيد رئيس الجمهورية.

وقال الدكتور علوش إنه بناء على هذه المواقف المبنية على تحليل واقعي لطبيعة الأزمات المنتشرة في مالي وليبيا أو النيجر، فإن التصور الجزائري القائم على ضرورة الحلول السلمية من خلال الحوار، وضرورة معالجة المظالم التاريخية لمجتمعات محلية عبر الحلول التنموية، تبقى من أبرز المداخل التي ستساهم في حماية ثروات وسيادة دول المنطقة.

ومن جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، مبروك كاهي، إن تصريح الرئيس تبون المتعلق بالأزمة الليبية جاء في ظل التطورات الأخيرة التي عرفتها ليبيا، من انفلات أمني خطير شهدته العاصمة طرابلس قبل أن يتم تدارك الأمر، معتبراً أن الأمر بمثابة تحذير من أن الأوضاع قد تنفجر بشكل لا يمكن السيطرة عليه مستقبلاً. وأكد في تصريح لـ"الخبر" أن موقف الجزائر ثابت، فهي لا تتدخل في شؤون الليبيين وليس لديها أي أطماع في ليبيا، بل تشجع كل الفرقاء على الحوار، بهدف الوصول إلى قاعدة انتخابية وتنظيم الانتخابات وتشكيل مؤسسات الدولة.

وبخصوص تصريح الرئيس تبون السابق بأن "طرابلس خط أحمر"، أوضح كاهي أن رئيس الجمهورية بيّن أن الجزائر لن تسمح بسقوط طرابلس في أيدي الإرهابيين، ولن تسمح بأن تكون مرتعاً للدواعش والمرتزقة، وفي الوقت نفسه شدد على أن "ليبيا لليبيين وهم من يقررون مصير بلدهم".

واعتبر أن تأكيد الجزائر على الوقوف على "خط واحد" هو إشارة صريحة إلى أن الجزائر لا تتدخل في شؤون الليبيين، بل تشجع الحوار وتتحرك ضد القوى الوظيفية التي تسعى إلى إدامة الأزمة واستمرارية الفوضى. وأضاف أن تصريح الرئيس تبون استُقبل بارتياح من قبل الليبيين، واعتُبر تأكيداً على أن الجزائر لن تتخلى عنهم وستقف إلى جانبهم دون التأثير على أي قرار يتخذونه من أجل الخروج من الأزمة.

وفي هذا السياق، لوحظ في الفترة الأخيرة تذمر واسع من حكومة الدبيبة والأخطاء الفادحة التي وقعت فيها، حيث علت الأصوات المطالِبة باستقالتها، ليس فقط من جماعة بنغازي وشرق ليبيا، وإنما أيضاً من داخل طرابلس نفسها. ومن هذا المنظور، فإن تصريح الرئيس تبون يشكّل إشارة واضحة إلى أن الجزائر لن تتدخل لدعم الدبيبة أو غيره، بل تقف مع مصلحة الليبيين والحفاظ على مقدراتهم. فاستقرار ليبيا يعني استقرار الجزائر، خاصة بالنظر إلى الارتباطات الجغرافية المباشرة التي تتعلق بأمن الحدود وتنمية المناطق الحدودية. وكلما سارع الليبيون في الخروج من أزمتهم، كلما عاد الأمن والاستقرار إلى الساحل الإفريقي وساهم ذلك في ضبط الهجرة السرية.

وبخصوص الأزمة مع مالي، اعتبر كاهي أن تصريح الرئيس تبون يعكس الحكمة والعقلانية، ويؤكد أن الدولة الجزائرية لا تحمل أي عدائية تجاه دولة جارة وشقيقة. فالجزائر ساعدت وستواصل مساعدة الماليين، رغم التصعيدات الصادرة عن الحكومة الانتقالية. والجزائر، بشهادة الولايات المتحدة الأمريكية وكل الدول الكبرى، تُعد القوة الإقليمية في المنطقة، وهي عنصر استقرار لا غنى عنه.

وأشار كاهي إلى أن دولة مالي تظل دوماً بحاجة إلى الجزائر، في حين تسعى بعض القوى الوظيفية إلى تسميم العلاقات بين البلدين، وهو ما تدركه الجزائر جيداً وتعمل على إحباطه من خلال اليقظة والعمل الدبلوماسي العقلاني. وفي هذا الإطار، جاء تصريح الرئيس تبون ليؤكد إدراك الجزائر أن لا مناص للماليين من العودة إلى اتفاق الجزائر للسلم والمصالحة، خاصة في ظل التطورات الأخيرة في شمال مالي، والتي أثبتت أن منطق القوة لا يؤدي إلا إلى توسيع الهوة، في حين أن الحوار هو السبيل الأقرب لتقريب وجهات النظر.

ولفت إلى أن المشاريع التنموية التي تقودها الجزائر مع الدول الإفريقية، وخاصة في منطقة الساحل، تحظى باهتمام كبير، من بينها مشروع أنبوب الغاز الجزائري-النيجيري، الألياف البصرية، الطريق العابر للصحراء، وغيرها من المشاريع الإستراتيجية التي من شأنها أن تغيّر وجه المنطقة وتحوّلها من بؤرة توتر إلى فضاء للسلم والتنمية والتقارب بين الشعوب.

وخلص مبروك كاهي إلى التأكيد على أن الجزائر التي تعتبر ليبيا ومالي جزءاً من عمقها الإستراتيجي والمغاربي والإفريقي، تنتهج مقاربة تقوم على الاستقرار، الحوار والتنمية، بما يعزز أمن المنطقة ويخدم مستقبل شعوبها. وأشار إلى أن تصريح الرئيس جاء أيضاً في خضم التطورات الأخيرة التي مست بعض الدول العربية، خصوصاً السودان وسوريا، حيث تحول الخلاف إلى اقتتال داخلي بين مكونات المجتمع، يتم تزكيته بالمرتزقة، مما قوّض أركان الدولة وعمّق الهوة المجتمعية. وشدد على أن الجزائر التي تعتبر ليبيا جزءاً من أركان النظام المغاربي، لا تريد أن يصل هذا البلد إلى مثل هذا الوضع الخطير، ولذلك فهي تقف على "خط واحد" أمام كل الفرقاء الليبيين.