حاورته: نسرين جعفر
يبدي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جنيف، حسني عبيدي، موقفًا متشائمًا من مسار العلاقات بين الجزائر وفرنسا، حيث يرى أن البلدين يسيران نحو القطيعة التامة إذا لم يتداركا خطورة التصعيد وإذا استمر الضغط المتزايد من قبل الأوساط السياسية الفرنسية.
وأكد عبيدي في حوار مع "الخبر"، أنه "حان الوقت لتغيير المقاربة الفرنسية لتعود باريس إلى دبلوماسية هادئة ومتوازنة قد تؤدي إلى بحث كل القضايا، بما فيها قضية بوعلام صنصال".
في ظل التوترات المتصاعدة بين الجزائر و باريس، إلى أي مدى يمكن أن يصل التصعيد من الجانب الفرنسي في اعتقادك؟
العلاقات بين الجزائر وفرنسا تجتاز أدق مرحلة منذ الاستقلال. صحيح أن العلاقات بين البلدين تجاوزت العديد من المطبات وعرفت في السابق توترات تم احتوائها بطريقة متوازنة، بفضل فطنة المسؤولين الذين كانوا في السلطة في الجزائر أو في فرنسا، وقاموا باحتواء الأزمة، من خلال تحييد أي طرف يمكن استغلال الخلافات وتأزيمها.
ولكن هذه المرة من الصعب جداً قراءة مستقبل العلاقات أو التنبؤ بها نظراً لكون التوتر تجاوز مستوى رئيس الجمهورية الفرنسية، وتم تصديره إلى قطاعات أخرى في مفاصل الدولة. فالأحزاب السياسية في فرنسا أصبحت تستغل التوتر في العلاقات بين الجزائر وفرنسا لأغراض سياسية داخلية وانتخابية، بالإضافة كذلك إلى الذين ما زال لديهم حنين إلى فرنسا الاستعمارية أي الجزء الكبير من النخبة الفرنسية الذي لديه رأي في الخلافات الحالية ويستعمله مطيّة لأطماع سياسية ووسيلة للابتزاز.
وبالتالي أصبح من الصعب على الرئيس الفرنسي أو حتى وزير خارجيته- وهما محسوبان على الطرف الذي يدفع نحو التهدئة- أن يحكما سيطرة كاملة على هذه العلاقات.
النقطة الأخطر تكمن في أن المؤسسات السياسية والدستورية في فرنسا، كالبرلمان أو مجلس الشيوخ أو حتى القضاء الذي يمكن أن يمارس دورا إيجابياً في التفكير بضرورة العودة إلى علاقات متوازنة ومتينة، أصبح مهمشا أو رهينة التقلبات السياسية والتحالفات داخل المجلسين والتي للأسف أصبحت تدفع نحو التصعيد، بل أكثر من ذلك نحو القطيعة الكاملة مع الجزائر.
لم يبق هناك سقف للتصعيد في العلاقات بين الجزائر وفرنسا، وأعتقد أن الأمور خرجت عن نطاق السيطرة من قبل الجانب الرسمي الفرنسي خاصة من جانب الإليزي ووزير الخارجية، باعتبار أن كل الأطراف السياسية المرتبطة بهما أصبحت تريد احتكار ملف العلاقة بين باريس والجزائر بغية التأثير المباشر في السياسة الخارجية، مما يعتبر سابقة في سياسة فرنسا الخارجية تجاه الجزائر.
هل يمكن أن تبادر فرنسا بتسليط عقوبات على المسؤولين الجزائريين؟
العديد من الأطراف التي يسمع لها في دوائر صناعة القرار، تطالب بفرض عقوبات على مسؤولين جزائريين في كل الأجهزة، سواءً عن طريق الضغط على أسرهم، أو من خلال منع التأشيرة أو حتى التشهير ببعض الشخصيات والتلميح بفرض رقابة على التحويلات المالية للجزائريين. أطراف أخرى ذهبت لإجراءات أكثر راديكالية وأكثر خطورة. الأخطر من ذلك هو محاولة العديد من الأطراف السياسية داخل السلطة وخارجها تدويل خلاف فرنسا مع الجزائر حول بوعلام صنصال، من خلال مطالبة المفوضية الأوروبية بتعليق اتفاق الشراكة ورفض كذلك طلب الجزائر إعادة تقييم هذا الاتفاق، وهذا يعتبر تطور خطير جدا في العلاقة بين دولتين شريكتين.
للجزائر أطراف أوروبية من الشركاء ليست مقتنعة بضرورة إقحام أوروبا في العلاقة بين الجزائر وفرنسا، لكن من المؤكد أن العديد من الأطراف الفرنسية، سواء داخل البرلمان الأوروبي أو أطراف تنفيذية تحاول إقناع بروكسل بممارسة ضغط إضافي على الجزائر حتى لا تظهر فرنسا وكأنها في خلاف منفرد مع الجزائر.
في اعتقادك لماذا تركز الطبقة السياسية في فرنسا على قضية صنصال لهذه الدرجة؟
++التركيز على قضية صنصال هو خطأ كبير من طرف الجانب الفرنسي لأنه لا يمكن اختزال العلاقة بين دولتين أساسيتين في حوض المتوسط، ما بين شعبين لديهما روابط تاريخية قوية ولديهما علاقات اقتصادية قوية، وكذلك تواجد مهم لفرنسيين من أصول جزائرية وتواجد كذلك العديد من الشركات الفرنسية المستثمرة في الجزائر في قضية صنصال.
هذه العلاقة القوية والمتعددة الأوجه، من المجحف اختزالها في قضية الكاتب الجزائري- الفرنسي بوعلام صنصال، وهذا هو خطأ المقاربة الفرنسية، وهو ما ترى فيه الجزائر بأنه تعد على مبادئ أساسية في العلاقة بين البلدين.
في نفس الوقت لم تقدّر الجزائر حساسية هذا الموضوع في فرنسا وتربّص العديد من الدوائر توقيف بوعلام صنصال، من خلال الاستعمال السياسي لحرية الصحافة والإعلام وحرية الكاتب والارتباطات الشخصية لصنصال لشن حملة إعلامية تم تجنيد فيها كل الوسائل للنيل من ما هو أكثر من بوعلام صنصال، العلاقة بين الجزائر وفرنسا والتلويح بعقوبات تدريجية كما تسوّق لذلك بعض الدوائر الفرنسية.
هل يمكن أن يتوصل البلدان إلى حل وسط لخفض التوترات؟
أعتقد أن الدول الأوروبية لديها القدرة على أن تقرّب بين وجهات النظر، يمكن تدارك الأزمة الحالية وتوقيف هذا التصعيد دون الاستعانة بأطراف خارجية، ولكن هناك دول أوروبية مثل ألمانيا وإيطاليا تربطها علاقات إيجابية مع الجزائر عرضت وساطتها وتحاول التقريب بين المواقف على الأقل لوقف النزيف الحالي ومحاولة إيجاد حلول لهذه الأزمة من خلال عودة الدبلوماسية وتحري الاحترام في العلاقة بين البلدين.
أطراف في فرنسا والجزائر حريصة على أن تبقى العلاقة قوية بين البلدين، وأن لا تهتز هذه العلاقة بسبب قضية بوعلام صنصال أو قضية أخرى تستحق الدعم، لأن الوصول إلى نقطة اللاعودة ترتّب عليها آثار سلبية على فرنسا وعلى الجزائر، يجب أن تأخذ بعين الاعتبار هشاشة موضع مركز الرئيس ماكرون الذي فقد الأغلبية ويبدو مستعدا لتقديم تنازلات كبيرة للمعارضة مقابل أن تستمر حكومته. هذه المعارضة ليست متحمسة لتحسين العلاقة بين البلدين وعدم ربط قضية صنصال بعلاقات البلدين.
من هنا، فإن الاستجابة للأطراف المعتدلة داخل فرنسا مفيد للجزائر في صياغة مقاربة جديدة لطبيعة العلاقات مع فرنسا وكيفية الخروج من الأزمة.
هل ترى أنه من الممكن أن تصل الخلافات الحالية إلى قطع العلاقات بين البلدين؟
نحن نقترب يوما بعد يوم إلى قطيعة تامة إذا لم يتدارك الطرفان خطورة التصعيد، وإذا استمر الضغط المتزايد من قبل الأوساط السياسية الفرنسية وكذلك من قبل جزء من النخبة التي تعارض عودة العلاقة بين الجزائر وفرنسا إلى مسارها المعتاد. القطيعة بين البلدين فشل ذريع في إدارة العلاقات ونكسة كبيرة آثارها سلبية على الجميع. جهات عديدة تنتظر هذه اللحظة لتعزيز سردية خطيرة وهي عزلة الجزائر. من المهم أن تعمل الدبلوماسية في البلدين على عودة الثقة بين البلدين وإعطاء الدبلوماسية والاحترام المتبادل الأولوية من أجل حل كل القضايا العالقة بما فيها قضية بوعلام صنصال، وأعتقد أنه ليس من الصعب إيجاد مخرج مشرّف للجميع وعادل لتتكفل الجزائر بقضايا جوهرية وحساسة في مناخ دولي مضطرب.
تكلفة الاستمرار في قضية بوعلام صنصال أصبحت منهكة وتستنزف قدرات البلد، خطأ باريس هو في اعتمادها على مقاربة مفادها أن فرض إملاءات على الجزائر من شأنه تحسين العلاقة بين البلدين. حان الوقت لتغيير المقاربة وتعود فرنسا لدبلوماسية هادئة ومتوازنة ربما يؤدي ذلك لبحث كل القضايا بما فيها قضية بوعلام صنصال.
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال