+ -

يسحب حبل الفساد في كل مرة، أسماء جديدة أغلبها مرتبط بمراكز المسؤولية، كما هي قصة سيناتور الأرندي الأخيرة المتورط في فضيحة رشوة، دون أن يثير ذلك استنفارا لدى السلطة التي ما تزال تحتفظ بميكانيزمات محدودة المفعول في مواجهة هذه الظاهرة التي لا تتوقف عن الاستفحال.لم تخرج قضية سيناتور التجمع الوطني الديمقراطي بوجوهر مليك الذي صدر أمر بإقصائه من الحزب، عن قاعدة ما يجري في السنوات الأخيرة، فعلى المستوى الحزبي فقط شهد حليف الأرندي في الموالاة، جبهة التحرير الوطني كذلك فضيحة مدوية خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة، بعد ضبط عدد من أعضاء مكتبه السياسي في قضايا متاجرة بالقوائم الانتخابية.وفي الأسابيع الأخيرة، شكّلت ما اصطلح عليها إعلاميا بقضية "البوشي"، ضربة أخرى في مصداقية السلطة داخليا وخارجيا فيما يخص مكافحة الفساد، فهذه القضية لم تتوقف عن جرّ أسماء مرتبطة بشخصيات زاولت مناصب مسؤولية عليا. فضلا عن كونها فضحت منتسبين إلى سلك القضاء تورطوا في تسهيل معاملات عقارية بشكل غير قانوني، مما جعلها تتحول إلى ما يشبه قضية "دولة"، تحتاج أجهزتها التي يفترض فيها مواجهة الفساد إلى التطهير.ولم تخل الفضائح العالمية من اسم الجزائر، فقد كان بعض المسؤولين والوزراء، حاضرين في فضيحة "بنما بيبرز" التي فجرتها هيئة دولية للصحفيين الاستقصائيين قبل سنتين، وتتعلق بإنشاء شركات وهمية لإجراء معاملات مالية ضخمة بطرق مشبوهة، ولم تثر هذه القضية أي رد فعل محلي ولم تفتح تحقيقات قضائية فيما ورد من معلومات.وقبل ذلك بسنة، ظهر في فرنسا كتاب تحت عنوان "باريس والجزائر.. علاقة حميمة"، تطرق في أحد فصوله إلى ممتلكات المسؤولين الجزائريين في العاصمة الفرنسية. وقد نشر الكتاب أسماء عدة شخصيات من بينهم وزيرون سابقون وأمين عام سابق للأفلان، ذكر بأنها تمتلك عقارات هناك، علما أن القوانين الجزائرية تمنع تحويل كل أشكال العملة الصعبة للخارج من أجل هذا النوع من المعاملات، وهو الملّف الذي عادة ما تستند عليه المعارضة في مواجهة السلطة والتشكيك في إرادتها في محاربة الفساد.ويبقى ملف الوزير السابق شكيب خليل، من أبرز القضايا المُحيّرة، إذ على الرغم من توجيه التهمة له رسميا من النائب العام في العاصمة سنة 2013، في قضية عقود شركة سوناطراك مع الإيطاليين، إلا أن الوزير السابق لم تجر محاكمته على الإطلاق وعاد إلى الجزائر بعد فترة غياب مستفيدا حسبما صرّح به من "انتفاء وجه الدعوى" في حقه، دون أن يتم إعلام الرأي العام حول حقيقة ما جرى في هذا الملف.وفي ظل هذا الواقع، يعيب المختصون في مكافحة الفساد وجود ثغرات قانونية ونقائص فيما يتعلق بنظام التصريح بالممتلكات، فالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وفق ما نص عليه قانون 2006 الذي استحدثها، ليس من صلاحياتها الحصول على تصاريح المسؤولين والمنتخبين الكبار في الدولة على غرار الوزراء والسفراء والولاة والنواب والسيناتورات، حيث يخضع هؤلاء لنظام آخر على مستوى المحكمة العليا، كما أنه ليس بإمكان الهيئة الاطلاع على ملفاتهم والتأكد من صحتها، قبل وبعد استلام المنصب.واللافت أن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والوقاية منه أو الديوان المركزي لمكافحة الفساد أو حتى المفتشية العامة للمالية، لا تقدم أبدا تقارير علنية حول عملها، أما التقارير المطالبة بأن تقدمها الجزائر إلى الهيئات المختصة في الأمم المتحدة، فهي تأتي في الغالب عامة وتركز في جانب الشكل فقط، لإبراز تقيد الجزائر بالقوانين الدولية وتفادي الملاحظات المحرجة.ولم يتوقف الإعلام بناء على المعطيات الرسمية أو القضايا المتفجرة في الخارج، عن سرد أسماء المسؤولين وأقاربهم وكذلك النواب وكوادر الأحزاب المتورطين في قضايا فساد. وفي كل مرة، يتم لفلفة القضايا أو استدراكها عبر إقصاء الأشخاص المتورطين عن المسؤولية، دون الالتفات إلى إصلاح المنظومة التي تُفرخ دائما هذا النوع من الأشخاص وتقذفهم إلى مراكز المسؤولية.والنتيجة أن الجزائر باتت تعاني من سمعة "سيئة" في مجال مكافحة الفساد، حيث تدحرجت في آخر تصنيف لها على مؤشر الفساد العالمي الذي تصدره منظمة شفافية دولية، إلى المركز 112 عالميا (من أصل 180 دولة)، بعد أن كانت في المرتبة 108 في 2016 و88 في 2015. وحلّت الجزائر في المركز العاشر عربيا والثالث مغاربيا بعد كل من تونس والمغرب، ونالت رصيد 33 نقطة فقط بعد تقييم وضعية مكافحة الفساد بها على عدة مستويات يرصدها المؤشر العالمي، وهو ما يبدو معاكسا تماما لمنطق السلطة وخطابها الذي يتحدث عن وجود إرادة سياسية للحد من هذه الظاهرة، وعن تطور في آليات مكافحتها عبر الهيئات والقوانين المستحدثة في هذا الشأن.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات