38serv

+ -

لعل من أكثر الظواهر التي باتت منتشرة بشكل كبير في مجتمعنا وتشكل نوعا من الطابوهات، هي خيانة الأزواج على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أصبح الفضاء الافتراضي نوعا من هروب الرجال والنساء من مسؤوليات وضغوط  الحياة اليومية نحو "وهم" العلاقات الصورية، وباتت هذه المواقع المتهم الأول لكثرة حالات الطلاق وعزوف الشباب عن الزواج.

 وفي هذا الموضوع، تقول المحامية والناشطة الحقوقية وضاحي نبيلة في حديثها مع "الخبر" أن  الطلاق ينقسم إلى أربعة أنواع، الطلاق بالإرادة المنفردة للزوج، الطلاق بالتراضي والتطليق وهي أن يقوم القاضي بتطليق الزوجة من زوجها وذلك وفق أسباب منصوص عليها في القانون، والخلع وذلك أن تخلع الزوجة زوجها مقابل مبلغ مالي وهو الصداق.

وعند الحديث عن الخيانة الزوجية بمواقع التواصل الاجتماعي، أكدت المحامية أن هنالك العديد من الحالات لم تصل إلى أروقة المحاكم، حيث يتقدم أحد الزوجين إلى المحامي من أجل تقديم النصيحة، خاصة وأن للخيانة الإلكترونية عدة أشكال وهي منتشرة بطريقة كبيرة في المجتمع، حيث أنه لا يوجد وعي كاف لاستعمال التكنولوجيا، بالإضافة إلى عدة عوامل، كإهمال أحد الطرفين، فضلا عن ضغوطات الحياة والهروب من الواقع وضغوط الحياة الزوجية والمسؤوليات بالجري وراء العلاقات الصورية أو الوهمية لإشباع الجانب العاطفي، وكذا قيام أحد الطرفين بأمور غير أخلاقية عبر هذا الفضاء الوهمي.

  

نهايات مؤلمة

 

وفيما يتعلق بهذه الظاهرة، أفادت المتحدثة أنها تلقت قضية لشخصين تزوجا في سن كبير، وبعد فترة قصيرة من الزواج ومراقبة الزوجة لهاتف شريكها، اكتشفت هذه الأخيرة فظائع يندى لها الجبين من علاقات متعددة مع العديد من النساء العازبات والمتزوجات وصور مخلة بالحياء، وتبادل رسائل بذيئة عبر هذه المواقع.

فقامت السيدة بتجميع نسخ عن هذه المحادثات والصور وحولتها إلى هاتفها، وقدمتها فيما بعد للقاضي الذي قام بتطليقها وحكم لها بالتعويض نظرا للضرر اللاحق بها، بالإضافة إلى نفقة العدة والمسكن ونفقة الإهمال، لأنه يوجد مادة تقول بأن أي ضرر معتبر شرعا يعوض صاحبه.

كما سردت المحامية قضية أخرى لزوجة كانت في علاقة مع شخص في العالم الافتراضي، حيث كان يشعرها هذا الأخير بالاهتمام، إلى غاية أن أصبحت ترسل له فيديوهات وصور شخصية غير لائقة. وتطورت العلاقة بينهما إلى الالتقاء على أرض الواقع إلى غاية أن أصبح هذا الشخص يهددها ويطلب منها مبالغ مالية، وصل بها الأمر إلى بيع مصوغاتها خوفا من الفضيحة.

وأضافت أن الأمر لم ينته عند هذا الحد، حيث قام هذا الشخص عن طريق حساب مزيف بإرسال جميع الأدلة التي تثبت علاقتهما لزوجها، حيث تقدم هذا الأخير إلى المحامية من أجل رفع قضية طلاق وتقديم فيديوهات وصور مثبتة. وبعدها قامت المحكمة بإحضار الشخص، حيث تم الطلاق وأسندت حضانة الأولاد إلى الأب، لأن الأم غير مؤهلة خلقا لرعاية هؤلاء الأبناء، وحكم القاضي الجزائي بعقوبة جزائية بالحبس للزوجة وعشيقها.

وفي ملف آخر، روت القانونية قضية لزوج كان دائم السفر وكانت تربطه علاقات بالعديد من السيدات، إلا أن الزوج كان على علاقة طويلة بإحدى الفتيات، إلى غاية أن وجدت الزوجة صورا تجمعهما عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مما أدى إلى حدوث شجار عنيف بين الزوجين، أين قامت الزوجة بمحاولات عديدة من أجل الحفاظ على بيتها وإرجاع شريكها إلى الطريق الصحيح، إلا أن هذا الأخير لم يكف عن تصرفاته وطالبها بقبول هذا الوضع أو المغادرة.

وتابعت "وبعد محاولات عديدة، تعبت نفسية الزوجة وقررت رفع دعوى خلع، ورفضت فضح أسرار زوجها للعلن حفاظا على مشاعر أطفالها".

 

الخيانة الزوجية أول أسباب الطلاق

 

من جهتها، قالت المحامية فريدة عبري أن ظاهرة الطلاق باتت تغزو المحاكم الجزائرية بدرجة كبيرة، وبات يجب دق ناقوس الخطر، نظرا للتزايد الرهيب في عدد حالات فك الرابطة الزوجية، سواء كان هذا الأمر طلاقا بالإرادة المنفردة للزوج أو بتطليق ما توافرت شروط قبوله على مستوى قانون الأسرة الجزائري، وحتى بالنسبة للخلع الذي يكون طلاقا يعوض الإرادة المنفردة للزوجة، حيث كانت أسباب الطلاق معروفة وواضحة وكانت بدرجة من الجدية.

وتضيف أن الأمور اختلفت اليوم، وأصبحت الأسباب غير جدية، وعن  ذلك يوجد حالات تدعو إلى فك الرابط الزوجي حيث بلغت نسبة الطلاق المعلن عنها من قبل وزارة العدل سنة 2022، ما يفوق الـ 44 ألف حالة أي بواقع 240 حالة طلاق في اليوم و 10 حالات في الساعة والفئة العمرية لا تتجاوز 35 سنة وأغلبها كانت بين الأزواج الجدد.

وواصلت القانونية "كنا نبحث عن الأسباب التي جعلت هذا الرقم يرتفع مؤشره مع سنة 2023 لما يفوق 60 ألف حالة، وما هي الأمور التي جعلت المجتمع الجزائري على شفى حفرة من الهاوية. ففي هذه الحالة نتحدث عن الأسرة التي تعتبر من المقدسات وعقد الزواج الذي يبقى ميثاقا غليظا، لذا قمنا بالتشارك مع أكثر من مخبر علمي متخصص في قانون الأسرة وعلم الاجتماع من أجل الغوص في الأسباب الكامنة وراء ارتفاع سقف عدد حالات الطلاق".

وأشارت إلى أنهم توصلوا إلى أن أغلب حالات الطلاق كانت بسبب الخيانة الزوجية، حيث أن قانون العقوبات الجزائري لم يعط وصفا للخيانة سوى بأنها علاقة زنا، وهي علاقة خارج إطار الزواج بين شخصين، أحدها أو كلاهما متزوج يقومان بعلاقة غير شرعية بالوطء الطبيعي بينهما، وتصل العقوبة إلى سنتين حبس نافذ مع الغرامة.

وأكدت عبري أنه في الماضي كانت توجد صعوبة في إقامة علاقة بالنظر إلى أن المجتمع كان محافظا أكثر، وتغمره القيم الأخلاقية والاجتماعية بشكل جدي، على عكس المجتمع الحالي الذي أصبح مليئا بالأفكار الغربية والثقافات الغريبة عن المجتمع الجزائري، وبعض المبادئ الدخيلة، بالإضافة إلى التقارب الإلكتروني الذي أظهر ما يسمى بالخيانة الإلكترونية. وهي إقامة علاقات خارج إطار الزواج بين كلا الجنسين مستغلين التستر الموجود على المواقع التواصل الاجتماعي مقارنة مع الواقع.

 

تعريف الخيانة القانوني

 

وذكرت المحامية بعض الأمثلة لأشخاص تواصلوا معها من خلال الجمعيات الأسرية ومنظمات المجتمع المدني، بعدما زاروا أروقة المحاكم التي لم تنصفهم بتبرئة الطرف الخائن.

أولها قضية لسيدة أربعينية تقول أنها تعاني من الإهمال الزوجي إلى الحد الذي جعلها تشعر بالملل، وبعدما فقدت شغف الحياة الزوجية، أصبحت تبحث عن هذا النقص من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، حيث قامت بفتح حساب ثم بدأت بإرسال طلبات الصداقة لمجموعة كبيرة من الرجال وتتحدث معهم في أمور منافية للأخلاق.

وكشف محضر الضبطية القضائية، من خلال فتح حسابها على الفايسبوك ومعاينة هذا الأخير، بأنها كانت ترسل صورها الشخصية (بملابس فاضحة) لبعض الشباب الذين كانوا يغمرونها بالكثير من تعليقات الغزل، إلى غاية اليوم الذي اكتشف فيه ابنها (16 سنة) أمرها وطالبها بإعطاء تفسير لتصرفاتها، وبعدما رفضت هددها هذا الأخير بفضح الأمر أمام والده. وتم ذلك بالفعل، حيث لم تنكر الزوجة فعلتها وأخبرته أنها تعاني من الإهمال ووجدت ما كانت تبحث عنه في هذه المواقع.

وأردفت "وبعد ذلك قام الزوج بتسليم الهاتف مع الشريحة إلى مقر الشرطة، حينها كشفت التحريات وجود خيانة حقيقية للزوجة، حيث تم رفع دعوى طلاق نظرا للخيانة الإلكترونية ورفع قضية للزنا استفادت منها بالبراءة، لعدم ثبوت ركن الوطء الطبيعي، وكيفت القضية على أنها إغراء للغير، وأدينت بعقوبة شهرين حبس مع وقف التنفيذ، في حين تم حكم الطلاق بينها وبين الزوج ومنح الزوج حق حضانة ابنيه القاصرين".

كما أشارت إلى أنه رغم أن هذه القضية ليست نهائية، باعتبار أنها محل طعن لدى المحكمة العليا، إلا أن هذه السيدة تقول بأنها أدركت أنها مخطئة إلا أنها لم تخن زوجها على أرض الواقع.

 

أدلة قاطعة لإثبات التهمة

 

وفي ملف آخر، تحدثت القانونية عن سيدة قصدت إحدى منظمات المجتمع المدني لتطلب الدعم النفسي لأبنائها القصر، والذين تقول أنهم أصبحوا يعانون من حالة اضطراب نفسي نتيجة تورط والدهم في قضايا خيانة مع طالبتين في الثانوية، باعتبار الزوج أستاذا هناك.

وقد بنى هذا الأخير معهما علاقة عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، وبحكم وظيفته وإمكانية منحهم نقاط إضافية في مادة الرياضيات، بات يراودهما عن نفسيهما، وكانتا تتبدلان الأحاديث الحميمية والصور الخاصة ويلتقيان خارج مواعيد الدراسة.

وبمجرد اكتشاف الزوجة للأمر، من خلال تصفح مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بزوجها، قامت برفع قضية زنا، وبما أنهما لم يبلغا سن الرشد، كيفت القضية بأنها تحريض قاصر على الفسق وفساد الأخلاق.

وأضافت: ''وبعد ذلك قامت الزوجة برفع قضية خلع، إلا أن  الزوج برر فعلته بالإهمال من طرف الزوجة، مؤكدا أن أحاديثه مع البنتين كانت فقط على مواقع التواصل الاجتماعي ولم تتعد ذلك الحد".

وأشارت إلى أن مسألة تجريم المشرع الجزائري للزنا لابد أولا من توافر شروط على درجة كبيرة من القوة لإثبات هذا النوع من الخيانات، مما يجعلنا عاجزين عن تطبيق هذه الشروط على أرض الواقع على غرار الوضع الطبيعي وإثبات المراسلات وما إلى ذلك.

فرغم اكتشاف الزوج لعلاقة زوجته بشخص آخر ومراقبها، تستفيد هذه الأخيرة من البراءة، باعتبار أن العلاقة لم تكن مباشرة بين الطرفين وهو الركن الأهم الذي يشترطه القانون.

وأكدت المتحدثة أن من الأسباب التي أدت إلى انتعاش سوق الخيانة الإلكترونية هي غياب الوازع الديني والأخلاقي أيضا، لأن عدم تقدير الرابطة الزوجية بين الطرفين وعدم الاستشعار بقيمتها هنا يفتح الباب أمام مختلف المشاكل ليس فقط الخيانة الزوجية.

فالدين الإسلامي طلب من الرجل أن يحسن مصاحبة المرأة ويستوصي بها خيرا، يعاشرها بالمعروف، كما فرض على المرأة أيضا أن تسمع لزوجها وتطيعه في حدود ما أحل الله، إلا أن بعض المواقع الإباحية على الانترنت ساهمت في تفكك الأسر بعد إدمان كلا الطرفين عليها، فضلا عن النداءات المتكررة لمن يسمون أنفسهم بالمؤثرين الاجتماعيين الذين أحلوا أيضا بعض العلاقات خارج إطار الزواج.