{وَلاَ تَتَّبِع سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ}

+ -

 القرآن العظيم حربٌ على الفساد والمفسدين، وهي حرب لا هوادة فيها؛ لِمَا للفساد من آثار سيِّئة في حياة النّاس، تفوّت عليهم مصالحهم الدّينية والدّنيوية، وتغرقهم في أُتون من مضار ومفاسد ومشاكل؛ لذلك تكرّر النّهي عن الفساد في القرآن وتنوّع في صيغه ومقاصده، وتكرّر ضرب المثال ونصب الاعتبار بأحوال الفاسدين والمفسدين ومآلهم، ومن ذلك ما جاء في وصية موسى لأخيه هارون عليهما السّلام، قال اللّه عزّ وجلّ: {وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ}، فلم يكتف بأمره بالإصلاح الّذي هو ضدّ الفساد، فمَن أصلح لن يكون من المفسدين أبدًا، ولن يجمعه بهم طريق حتمًا! ولكن تأكيدًا للأمر وإمعانًا في التّحذير من الفساد وأهله عقّب الأمر بالإصلاح بالنّهي عن اتّباع المفسدين، وفي ذلك ما فيه من قوّة الدّلالة وروعة البلاغة، يقول الشّيخ الطّاهر بن عاشور رحمه اللّه موضّحًا ذلك: “وقوله: {وَلاَ تَتَّبِع سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} تحذير من الفساد بأبلغ صيغة؛ لأنّها جامعة بين نهي [والنّهي عن فعل تنصرف صيغته أوّل وهلة إلى فساد المنهي عنه] وبين تعليق النهي باتباع سبيل المفسدين.والاتباع أصله المشي على خلف مَاشٍ، وهو هنا مستعار للمشاركة في عمل المفسد، فإنّ الطّريق مستعار للعمل المؤدّي إلى الفساد، والمفسد من كان الفساد صفته، فلمّا تعلّق النّهيّ بسلوك طريق المفسدين كان تحذيرًا من كلّ ما يُستَرْوَحُ منه مَآلٌ إلى فساد؛ لأنّ المفسدين قد يعملون عملاً لا فساد فيه، فنهي عن المشاركة في عمل من عرف بالفساد؛ لأنّ صدوره عن المعروف بالفساد، كافٍ في توقّع إفضائه إلى فساد. ففي هذا النّهيّ سدٌّ ذريعة الفساد، وسدُّ ذرائع الفساد من أصول الإسلام..فلا جرم أن كان قوله تعالى: {وَلاَ تَتَّبِع سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} جامعًا للنّهي عن ثلاث مراتب من مراتب الإفضاء إلى الفساد: وهو العمل المعروف بالانتساب إلى المفسد، وعمل المفسد وإن لم يكن ممّا اعتاده، وتجنّب الاقتراب من المفسد ومخالطته”.*إمام وأستاذ الشّريعة بالمدرسة العليا للأساتذة

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات