الوطن

التكفل بالجالية تحت المجهر

أكد رئيس الجمهورية خلال ترؤسه اجتماعا لمجلس الوزراء، على ضرورة اتخاذ كافة التدابير لضمان تكفّل أفضل بأفراد الجالية الوطنية بالخارج.

  • 2171
  • 3:28 دقيقة
الصورة: ح. م
الصورة: ح. م

جدّد رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، حرصه على تعزيز صلة الجالية الوطنية بالوطن، حيث أمر باتخاذ كل الإجراءات الكفيلة بتسهيل تنقل أفراد الجالية خلال موسم الاصطياف، بما في ذلك فتح المجال أمام التعاقد مع شركات نقل أجنبية.

وأكد رئيس الجمهورية خلال ترؤسه اجتماعا لمجلس الوزراء، على ضرورة اتخاذ كافة التدابير لضمان تكفّل أفضل بأفراد الجالية الوطنية بالخارج، من خلال تبسيط الإجراءات عبر المطارات والموانئ، مشددا على ضرورة تقديم خدمات مفيدة عبر المطارات والموانئ طيلة فصل الصيف، باعتماد التسهيلات الممكنة لتبسيط الدخول إلى الوطن بما في ذلك تكثيف وتدعيم برامج رحلات شركات النقل الأجنبية التي تتعاقد معها الجزائر لتفادي الضغط على الشركات الوطنية.

وكان رئيس الجمهورية، قد أعطى تعليمات مباشرة للحكومة من أجل فتح السوق الوطنية أمام شركات أجنبية خاصة في مجال النقل البحري في مواسم الاصطياف الأخيرة، وذلك من أجل كسر الاحتكار وضمان تغطية أفضل للطلب الكبير على الرحلات البحرية، خصوصا بين الموانئ الجزائرية والفرنسية. ومن أبرز الشركات التي تم التعاقد معها خلال الموسمين الماضيين، شركة "كورسيكا لينيا" الفرنسية التي أصبحت شريكا رئيسيا في نقل المسافرين عبر البحر بفضل برنامجها الذي يربط ميناء مارسيليا بعدة موانئ جزائرية، مثل بجاية وسكيكدة، إلى جانب ذلك دخلت شركات إسبانية على الخط لتدعيم العرض البحري، من بينها "باليريا" و"ترسميديتيراني" وهما شركتان متخصصتان في النقل البحري تربطان بين موانئ فالنسيا وبرشلونة وألميريا وموانئ جزائرية عدّة.

ولم يقتصر فتح السوق على الشركات الأجنبية فقط، بل دعمت الدولة أيضا بروز شركات جزائرية خاصة في هذا القطاع، في مقدمتها شركة "نورس البحر" التي أسست سنة 2024 وتقدّم خدماتها في خطوط موسمية نحو مارسيليا وأليكانت. كما تستعد شركة "أوراس فيريز" لدخول السوق، مما يعكس بداية تحوّل نحو إشراك القطاع الخاص في خدمة الجالية. كما أمر الرئيس بتسهيل إجراءات هذه الشركات على مستوى الموانئ الجزائرية وتوفير الدعم اللوجستي لضمان انسيابية الرحلات وتحسين ظروف الاستقبال والخدمات في الموانئ. ولأن أكبر العقبات التي يواجهها أفراد الجالية تتعلق بالتنقل إلى الوطن الأم، فقد أقر الرئيس تبون سابقا حزمة تسهيلات غير مسبوقة، أبرزها السماح للجزائريين الحاملين لجواز سفر أجنبي بالدخول إلى الجزائر بمجرد تقديم بطاقة تعريف أو جواز سفر جزائري منتهي الصلاحية دون الحاجة لتأشيرة، كما تم تخفيض أسعار تذاكر النقل الجوي والبحري بنسبة 50٪ خلال فترات الذروة مثل الصيف والأعياد، وزيادة عدد الرحلات من وإلى كبرى العواصم التي تضم كثافة جزائرية.

أطلق الرئيس ديناميكية جديدة تقوم على تحويل ملف الجالية إلى أولوية دائمة ضمن السياسات العمومية، فقد تم تعيين مبعوث خاص لدى وزارة الشؤون الخارجية مكلف بالجالية، في خطوة تؤسس لتواصل دائم ومهيكل، كما عملت السلطات على تحسين جودة الخدمات القنصلية، حيث تم تمديد ساعات العمل في القنصليات لتشمل يوم السبت، وإيفاد فرق متنقلة إلى المناطق النائية لتوفير خدمات بيومترية في أماكن تواجد الجزائريين، خصوصا كبار السن والمرضى، مما ساهم في تقليص المعاناة الإدارية التي كانت من أبرز شكاوى الجالية.

واهتمام الرئيس بالجالية لم يكن محصورا في الجوانب الخدماتية فقط، بل شمل أيضا مجالات ذات بعد استراتيجي كالتقاعد والاستثمار، فقد صدر في أكتوبر 2022 مرسوم رئاسي يسمح للجزائريين بالخارج بالإنخراط الاختياري في صندوق التقاعد الوطني، سواء كانوا موظفين أو أصحاب أعمال، وهي خطوة اعتبرت سابقة في تاريخ العلاقة بين الدولة والجالية، لأنها توفر استقرارا اجتماعيا لهذه الفئة وتحفظ ارتباطها بالمؤسسات الوطنية.

كما فتحت الحكومة المجال أمام الجالية للاستفادة من برامج السكن الترقوي العمومي، ومنحت تسهيلات في التحويلات المالية واستحدثت وكالات بنكية بالخارج لتشجيع تحويل المدخرات نحو البنوك الجزائرية واستثمارها في مشاريع منتجة.

في خط مواز، شدد الرئيس تبون في أكثر من مناسبة على ضرورة حماية الجالية والدفاع عن حقوقها ومصالحها القانونية في حال تعرض أفرادها لأي تعسف أو مضايقات.

وأوعز للسفارات والقنصليات باتخاذ كل الإجراءات اللازمة لضمان هذا الحق، بما في ذلك تقديم الدعم القانوني عند الاقتضاء.

وسعى الرئيس إلى إشراك الكفاءات الجزائرية بالخارج في صناعة القرار الوطني، من خلال تنظيم ندوات ولقاءات دورية مع خبراء جزائريين عالميين في مختلف المجالات كما دعمت الدولة فتح مراكز ثقافية وقنصلية في عدد من الدول الأوروبية، كان أبرزها في لندن من أجل الحفاظ على الهوية الثقافية للأجيال الجديدة من أبناء الجالية وربطهم بلغتهم وتاريخهم وأصولهم.

ولقد شكلت هذه السياسة تحوّلا نوعيا في نظرة الدولة لأبنائها في الخارج، حيث انتقلت من منطق التهميش إلى منطق الشراكة والمواطنة الكاملة. فالرئيس تبون لم يتعامل مع الجالية ككتلة انتخابية ظرفية، بل كجزء عضوي من الأمة الجزائرية وتبقى هذه المبادرات، رغم ما تحقق منها، بحاجة حسب خبراء إلى المتابعة والتعزيز حتى تبلغ الجالية كامل موقعها كفاعل وطني في قلب الديناميكية السياسية والاقتصادية والاجتماعية.