العالم

فاز زهير ممداني .. وخسر ترامب

"أنا أخطب الآن فائزا بالانتخابات في نيويورك، وأعتقد أن ترامب يشاهد ذلك، أدعوه لكي يرفع صوت التلفاز، فلدي أربع كلمات أقولها له".

  • 2013
  • 3:06 دقيقة
الصورة : ح.م
الصورة : ح.م

ليس كل ما يريده ترامب هو الذي يحدث بالفعل، فقد سعى ترامب على مدى أشهر لقطع الطريق على زهران ممداني، وهو سياسي أميركي من أصول هندية، حيث لم يكن الرئيس الأمريكي يرغب في رؤية مهاجر من بيئة مسلمة وقريبة من العرب على رأس نيويورك، لكن الصندوق الانتخابي والمزاج السياسي للأمريكيين كان عكس اتجاه الريح.

فاز ممداني بمنصب عمدة نيويورك أكبر وأهم المدن الأمريكية، من حيث رمزيتها السياسية بفارق حاسم ليصبح العمدة رقم 111 في المدينة، في أول انتصار واضح للتيار التقدمي على نفوذ المال في أكبر مركز مالي في العالم.

"أنا أخطب الآن فائزا بالانتخابات في نيويورك، وأعتقد أن ترامب يشاهد ذلك، أدعوه لكي يرفع صوت التلفاز، فلدي أربع كلمات أقولها له"، هكذا وجه ممداني عقب فوزه، خطاب تحد تجاه الرئيس الأمريكي، فيما عبّر الرئيس الأمريكي عن خيبته من النتائج، وكتب تعليقا "لم يكن اسم ترامب مدرجًا في قوائم الاقتراع والإغلاق الحكومي السببين الرئيسيين لخسارة الجمهوريين في الانتخابات".

وممداني هو نجل الأكاديمي الهندي، محمود ممداني، أستاذ العلوم السياسية في جامعة كولومبيا، والمخرجة الشهيرة ميرا ناير، ولد في العاصمة الأوغندية كمبالا عام 1991، ونال الجنسية الأميركية عام 2018، وتزوج من الفنانة التشكيلية السورية راما دواجي، وفي عام 2021، انتُخب عضوا في الجمعية التشريعية لولاية نيويورك، ثم خاض عام 2024 سباق الترشح لمنصب عمدة المدينة، فأصبح أول مسلم يترشح لهذا المنصب في تاريخها، عرف عنه تأييده القضية الفلسطينية.

الموقف من القضية الفلسطينية ومن إسرائيل، وبقدر ما كان معروف أنه من بين العوامل الحاسمة في المعارك الانتخابية في الولايات المتحدة، بقدر ما كان هذه المرة عاملا فارقا، خاصة مع تأثيرات حرب العامين التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة وحرب الإبادة التي دفعت المجتمع الأمريكي إلى تغيير كبير للموقف من إسرائيل والانحياز إلى الحق الفلسطيني، وهو متغير بالغ الأهمية ويعتبر من النتائج المباشرة والتأثيرات البعدية لطوفان الأقصى، حتى وإن كان فوز ممداني بعمادة نيويورك لن يغيّر بشكل عميق في السياسات الأمريكية اتجاه القضية الفلسطينية، إلا أنه يمكن اعتباره تحولا مفصليا ويجسد فعليا وجود تغيّر في موقف الرأي العام الأمريكي تجاه إسرائيل وفلسطين. يفسر ذلك مسارعة الحكومة الإسرائيلية إلى مهاجمة العمدة المنتخب لبلدية نيويورك المسلم زهران ممداني، ودعوتها يهود المدينة للهجرة إلى إسرائيل.

على الصعيد السياسي، يعتبر هذا الفوز السياسي هزيمة قاسية بالنسبة لترامب، والذي كان أبدى مواقف معترضة وراديكالية ضد ممداني، خاصة وأنه في قمة التوقيت الذي ينفذ فيه ترامب سياسات مناوئة للهجرة والمهاجرين التي يتبناها ترامب، يفوز مهاجر لم يمر على حصوله على الجنسية الأمريكية سوى ثماني سنوات،  ولم يكن ترامب وحده من خسر رهان منع ممداني من الوصول إلى حكم المدينة، بل إن التقديرات السياسية تؤكد أن فوز ممداني شكّل اختبارا حقيقيا لحدود نفوذ رأس المال في المدن الكبرى، فقد أنفق كارتل مالي عشرات المليارديرات ملايين الدولارات في محاولة لمنع فوز المرشح الاشتراكي الديمقراطي زهران ممداني، وأظهرت بيانات تمويل الانتخابات، حسب وسائل إعلام أمريكية، أن أكثر من 26 مليارديراً وعائلات ثرية ضخوا ما بين 19 و28 مليون دولار في لجان تمويل سياسية هدفت إلى منع فوز ممداني، من أبرزها لجنتا "فيكس ذا سيتي" التي يدعمها الملياردير مايكل بلومبيرغ والتي أنفقت أكثر من 16 مليون دولار على الإعلانات والحملات التحذيرية ولجنة "ديفند نيويورك" التي أنشأها رجال أعمال مقربون من وول ستريت بقيادة المستثمر بيل آكمان، وتلقت مليون دولار من آكمان شخصياً، وركزت على ترويج فكرة أن انتخاب ممداني سيقوّض مكانة المدينة مركزاً مالياً عالميا.

لكن الانتخابات أثبت وجود متغير كبير في الخيارات الانتخابية في أمريكا، إذ أن الإنفاق المالي الضخم لم يعد كافياً لتوجيه المزاج الانتخابي في بيئة تعاني تضخما وغلاء معيشيا. صحيفة فاينانشال تايمز كتبت أن "خطاب القدرة على تحمل المعيشة أصبح العامل الحاسم في السلوك الانتخابي الحضري، فيما لم تعد التحذيرات من هروب المستثمرين قادرة على تحريك الناخبين الذين فقدوا ثقتهم بجدوى الوعود النيوليبرالية"، وهو ما يفسر اعتماد ممداني على شبكة تمويل قاعدية من تبرعات صغيرة لم تتجاوز مئات الدولارات لكل مساهم، مقابل إنفاق المليارديرات على إعلانات رقمية ضخمة وإعلانات في الصحف الكبرى، حيث بلغ عدد المتطوعين عشرين ألف شخص.