عندما ترسل دولة عربية معدات قمعٍ إلى دولة عربية أخرى، تحت ذريعة التعاون الأمني، فإنها لا تدعم الاستقرار بل تشارك في إدامة الأزمة وتعرض حياة الآلاف من المنتفضين المغاربة للخطر. وما يحدث في المغرب منذ أيام ما هو إلا حلقة جديدة في مسلسل عربي طويل، يكتب فصوله الرصاص وقنابل الغاز المسيل للدموع، تحت مظلة نظام حكم فاسد وخائن لشعبه وأمته.
في وقت يعيش الشارع المغربي واحدة من أكثر مراحله احتقانا منذ سنوات، بفعل الانهيار الاجتماعي وغلاء المعيشة وتآكل الثقة في مؤسسات الحكم، اختارت الإمارات أن تمد يدها لا لتواسي، بل لتضغط أكثر على الجرح النازف.
منذ أسابيع، تتحدث مصادر مغربية معارضة عن جسرٍ جوي غير معلن بين أبوظبي والرباط، يحمل معدات متطورة لقوات الأمن والدرك، يعتقد أنها مخصصة للسيطرة على موجة المظاهرات التي تهز مدن الشمال والوسط.
الخبر قد يبدو عاديا لو لم يكن صادرا عن دولة بات اسمها، منذ أكثر من عقد، مقترنا بكل نزاعٍ عربي تقريبا؛ من اليمن إلى السودان ومن ليبيا إلى القرن الإفريقي. الإمارات التي تصدر "الاستقرار المصنع" تواصل دورها المألوف: تمويل، تسليح وتجميل القمع بخطاب عن "حماية الأمن الوطني".
منذ أن وقعت اتفاقيات أبراهام، دخلت المنطقة مرحلة جديدة من التحالفات الأمنية تحت شعار "السلام مقابل التكنولوجيا". لكن ما وصل إلى بعض العواصم العربية لم يكن تقنية، بل أدوات مراقبة وتجسس ومعدات قمعٍ داخلي.
المغرب، الذي راهن نظامه على مكاسب اقتصادية ودعم سياسي من وراء التطبيع، يجد نفسه اليوم غارقا في موجة تململ شعبي لم يعرفها منذ سنوات، بينما تأتيه الإمارات بالعتاد بدل العون وبالدخان بدل الخبز.
الاحتجاجات المتصاعدة في مدنٍ مغربية عديدة تطالب بأبسط الحقوق "الخبز، الصحة والتعليم". لكن الرد الأمني يتصاعد بدوره، مدعوما ـ حسب ما تسرب ـ من صفقات جديدة أبرمت مع شركات غربية عبر وسطاء خليجيين.
يبدو أن أبوظبي التي تملك سجلا طويلا في تدوير الفائض من معدات الحرب وجدت في المغرب سوقا جديدا لتصريفها، حتى لو كانت تستخدم ضد مواطنين يطالبون بالحياة الكريمة ورفض التطبيع الذي صار عبئا سياسيا وأخلاقيا على الجميع.
وليست هذه المرة الأولى التي تتهم فيها الإمارات بالتورط في دعم أنظمة تواجه شعوبها بالرصاص والنار.
ففي السودان، توجه إليها أصابع الاتهام بدعم قوات "الدعم السريع" التي تحولت إلى دولة داخل الدولة. وفي اليمن، ظل حضورها العسكري سببا في تعقيد الحل. وفي القرن الإفريقي، تحولت المساعدات إلى أدوات نفوذ والتمويل إلى رخصة للتدخل.
واليوم، يعاد الدور نفسه، لكن بوجه مغربي، تسليح تحت عنوان التعاون الأمني، بينما الحقيقة أن الهدف هو كتم الأنفاس في الشارع وإبقاء الوضع كما هو عليه.
اليوم، المغاربة بين نارين، نار الأزمة الاقتصادية الخانقة ونار التحالفات الخارجية التي تحاصر حقهم في التعبير.
أما النظام، فبين ضغط داخلي متزايد وخوف من اهتزاز صورته الخارجية يبدو أنه يفضل شراء الوقت بالعنف بدل الإصلاح.
في المقابل، الإمارات التي تقدم نفسها كشريك في التنمية صارت، من حيث لا تخفي ذلك، شريكا في سياسات تكميم الأفواه. فمن قطاع غزة إلى الخرطوم ومن صنعاء إلى الرباط، تتشابه الأدوات وإن اختلفت الجغرافيا.
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال