الوطن

هل دخلت جريمة الاتجار بالبشر إلى الجزائر؟

ترتبط جهود الجزائر في الوقاية من هذه الجريمة، باعتبارها بلد عبور للمهاجرين الأفارقة نحو القارة الأوروبية.

  • 1144
  • 2:52 دقيقة
ح.م
ح.م

كثفت السلطات الجزائرية، في السنوات الأخيرة، اهتمامها بجريمة الاتجار بالبشر، على الرغم من عدم انتشارها بشكل يجعلها ظاهرة قائمة بحد ذاتها، إذ أنشأت لها إطارا إداريا، تمثل في إنشاء اللجنة الوطنية للوقاية من الاتجار بالأشخاص ومكافحته على مستوى وزارة الخارجية، بعضوية العديد من الوزرات والأجهزة الأمنية، ثم سنت مؤخرا تشريعات خاصة بها، وأخيرا، تنظيم وزارة العدل لقاءات رفيعة المستوى، اليوم بالتعاون مع مركز البحوث القانونية والقضائية.

ومنطقيا، ترتبط جهود الجزائر في الوقاية من هذه الجريمة، باعتبارها بلد عبور للمهاجرين الأفارقة نحو القارة الأوروبية، ومسرحا محتملا لوقوع هؤلاء الرعايا فريسة وضحايا لمحترفي جريمة الاتجار بالبشر، التي تختلف كليا، وفق معايير المفوضية السامية للاجئين، عن جريمة تهريب المهاجرين، من حيث أدواتها أو زمنها أو أركانها، بينما قد تشترك فقط في طبيعة الضحايا، وهم الراغبون في الهجرة واللجوء.

وبينما تبدو جريمة تهريب المهاجرين محدودة من حيث الزمان والمكان، وأيضا على مستوى العلاقة بين الجاني والضحية والأدوات المستعملة، تكون جريمة الاتجار بالبشر "مستمرة وشبه دائمة"، بحسب تعاريف الهيئة الأممية لها، حيث يعمل الجاني على إنشاء علاقة تحكّم وسيطرة على ضحيته حتى بعد انتهاء وانقضاء مدة التهريب إلى خارج الحدود، باستعمال أدوات ابتزاز وتخويف وتعذيب، وهو ما يجعل الحالة الثانية أخطر من الأولى، وتحتاج إلى معالجة قضائية خاصة.

ويناقش طيلة الثلاثة أيام القادمة، ابتداء من اليوم، أكاديميون، "الإطار القانوني لمكافحة الاتجار بالبشر ومعايير حماية الضحايا"، بهدف "تعزيز مستوى الأداء القضائي في هذا المجال"، وخلال إشرافه على افتتاح أشغال هذه اللقاءات التي تجرى بإقامة القضاة بالعاصمة، أوضح المدير العام للشؤون القانونية بوزارة العدل، محمد حدود، أن "الدولة عملت على إرساء منظومة قانونية ومؤسساتية متكاملة لمكافحة جريمة الاتجار بالبشر من خلال سن القانون 23-04 المؤرخ في 07 ماي 2023".

وأشار المسؤول الوزاري إلى أن هذا القانون "كرس إجراءات صارمة لكشف ومكافحة هذه الجريمة والتنسيق بين مختلف الجهات المعنية"، فضلا "عن دعم قدرات الفاعلين في مجالات الكشف المبكر وحماية الضحايا وضمان الملاحقة القضائية الرادعة للجناة".

وأبرز نفس المسؤول أن هذه اللقاءات تشكل فضاء لتبادل الخبرات والأفكار وتعميق النقاش حول الإشكالات العملية التي تطرح أثناء معالجة قضايا الاتجار بالبشر، عبر جميع المراحل، بدءا من كشف الجريمة وجمع الأدلة والمتابعة والتكييف القانوني، إلى المعالجة القضائية والتكفل بالضحايا مع تعزيز فعالية التدخلات الميدانية والتنسيق بين مختلف الفاعلين.

من جهته، أوضح المدير العام لمركز البحوث القانونية والقضائية، بوعلام فرحاوي، أن هذه اللقاءات تندرج في إطار تنفيذ وزارة العدل لمخطط العمل المعد من قبل اللجنة الوطنية للوقاية من الاتجار بالأشخاص ومكافحته، قصد "تعزيز قدرات القضاة وإجراء البحوث في مجال الاتجار بالبشر".

للإشارة، يشارك في هذه اللقاءات 100 مشارك من القضاة وضباط الشرطة وأعضاء من اللجنة الوطنية للوقاية من الاتجار بالأشخاص ومكافحته، علاوة على خبراء وإطارات من الإدارة المركزية وباحثين بمركز البحوث القانونية والقضائية.

وكان تقرير كتابة الدولة الأمريكية عن الاتجار بالبشر لعام 2022، قد قدم ملاحظات حول الظاهرة في الجزائر ووضعها في اللون "البرتقالي" في هذا المجال، في حين اعتبرت الدبلوماسية الجزائرية التصنيف، الذي جاء باللون البرتقالي، "يشكل شهادة مرحبًا بها"، كونه يصحح ذلك الصادر العام الماضي، الذي وضع الجزائر في القائمة السوداء، حسبها.

وكانت الجزائر في الأعوام 2015، 2016، ثم 2020 و2021 في الفئة 4 (الأحمر) الموسومة بالبلدان التي لا تلبي حكوماتها الحد الأدنى من معايير القانون، ولا تبذل جهودًا كبيرة لتفعّل ذلك، ما يجعلها عرضة لقيود أمريكية للمساعدات.

وذكّرت الخارجية، يومها، أن التقرير الذي يُدرج الجزائر في فئة المستوى الثاني "يعترف بالجهود التي بذلتها الجزائر لعدة سنوات لمواجهة هذه الجريمة، على المستوى القانوني والمعياري وعلى المستوى المؤسسي"، مشيرًة إلى أن الجزائر صدّقت على جميع المعاهدات الدولية ذات الصلة، خاصة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للأوطان المعروفة باسم اتفاقية "باليرمو" وبروتوكولها الإضافي الهادف إلى منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، ولا سيما النساء والأطفال.