شهد اليومان الأولان من معرض التجارة البينية الإفريقية، الذي فتح أبوابه في 4 سبتمبر الجاري، بقصر المعارض الصنوبر البحري بالعاصمة، توافد وتفاعل فئة من الجزائريين المهتمين بالمؤسسات المتوسطة والصغيرة، وأيضا وسائل سلاسل التصنيع والطامحين إلى إقامة أنشطة وأعمال في القارة الإفريقية.
واختلف المعرض الحالي عن المعارض الاقتصادية والاستثمارية السابقة من حيث العرض والزوار والأنشطة والاستقبال، فقد وجد الزوار أنفسهم ملزمين بالمرور عبر إجراءات التسجيل على موقع خاص، ثم التقدم أمام شبابيك على مستوى خيمة بلاستيكية عملاقة مكيفة ومزودة بوسائل طبع البطاقات الخاصة بالزوار، بحيث لا يمكن لمن لا يخضع لهذا الإجراء الولوج إلى فعاليات الحدث.
وبدت الإجراءات صارمة وتقنية في الاستقبال، ما أدى إلى تشكل طوابير في أوقات الذروة عند الافتتاح، برز بينهم، بعد الحديث مع بعضهم، تجار جاؤوا للاطلاع على فرص استثمارية وشراكات إفريقية محتملة، وعلى معرض الشاحنات والرافعات والعتاد وعلى تجارب ومحاولات أبناء القارة السمراء في الانعتاق من التبعية بمختلف أصنافها التي قيدتهم وسلبتهم مقدراتهم لعقود طويلة، والتي فرضتها الحملات الاستيطانية التي قامت بها الدول المستعمرة في القرن الماضي.
فلم يألف زوار المعارض التي تقام بالجزائر إجراءات كهذه، ما أثار حالة تساؤلات لدى العديد، غير أنهم سرعان ما تكيفوا معها لكونها شكلية وآلية لرقمنة الولوج وجعله قابلا للإحصاء، وفق ما استفيد من بعض المؤطرين.

وبالدخول إلى أروقة المعرض، يلفت الانتباه في البداية بأن الجانب البصري منجز بعناية، حيث بدت الوجهات واللافتات العملاقة والفضاءات المخصصة للراحة مزودة بتجهيزات عصرية، غير بعيد عنها أكشاك تعرض وجبات محضّرة وفقا لمعايير دولية، على غرار "لابايلا" و"اللحم المدخن" والـ"سوشي"، إضافة إلى المأكولات الشرقية والمشاوي الجزائرية وأيضا الأكل السريع الغربي.
ويتضح أن مصممي المعرض اعتمدوا البصمة الإفريقية، عبر تزيينه بالألوان الزاهية المتعددة والمدمجة والمتلاصقة، ومصاحبتها بموسيقى بإيقاع أغاني "آلفا بلوندي" و"دومبيا موسى" وغيرهما من نجوم وروائع "ماما أفريكا"، أضفت على الحدث سحرا خاصا.
وبالموازاة مع الأنشطة الصناعية، ثمة أنشطة ثقافية ومعرفية، استقطبت الزوار والفنانين، الذين بدوا منسجمين مع بعضهم البعض وجمعتهم لغة الفن، بقدر ما جمعت الآخرين لغة المال والأعمال، التي غدت قوة وثروة حتمية في عالم متقلب ومضطرب، انكمشت فيه قيم الإنسانية والعدالة الاجتماعية إلى مستوى مخيف وانتحاري.
وعلى مستوى أجنحة العارضين والفضاءات المخصصة للمحاضرات وإبرام الصفقات، كانت الأجواء مختلفة، مطبوعة بالاستفسارات والنقاشات والفضول والأسئلة من قبل الزوار، الذين كانوا من فئة الشباب، خاصة في معرض السيارات والشاحنات والرافعات ومؤسسات تصنيع قطع الغيار والزيوت والسوائل الخاصة بالمركبات، التي عكست أن مجال التصنيع والتركيب في إفريقيا قطع شوطا في الاندماج والتكامل والتنويع.

ومن اللافت أيضا، أن الزوار من الشباب اهتموا بمعاينة تجارب إفريقية في تصنيع الشكولاطة، ومنها مؤسسة "بلوت غولد ستار" القادمة من غانا، التي استعرضت قدرات البلد، خصوصا في غربه، في تصنيع الكاكاو، وبلغت نسبة 60 بالمائة من إجمالي تصنيع هذه المادة ذات الاستهلاك العالمي في البلد.
وبما أن الجزائريين شعب عاشق ومستهلك للقهوة، شكلت أجنحة عرضها مقصدا للعديد من الزوار، سواء أكانوا من المهنيين أو عشاق هذه المادة المنبهة، وضمنها أفردت مؤسسات "ميجو كوفي" و "موليج" الآتية من إثيوبيا فضاء خاصا، تستقبل فيه الزوار وتقدم لهم كؤوس وفناجين قهوة للتذوق واكتشاف سحر "البن" الإفريقي الذي يضاهي في نوعيته وتنوعه الإنتاج البرازيلي المعروف عالميا، كالإنتاج في كوت ديفوار وبورندي وغيرهما.
وفي دردشة مع مناجير مؤسسة "ميجو"، ماتي آبديسا، قال هذا الأخير إن ما يعرضه من المادة منتج بطريقة عضوية وجزء كبير منها طبيعي، ما يجعلها، وفقه، ذات جودة عالية، وبسعر معقول، قياسا بتكاليفها، مقدما بلده بأنه "مملكة القهوة" الصاعدة، ومظهرا استعداده لإقامة شراكات مع جزائريين بمنطق "رابح رابح".

وحضرت الجزائر أيضا بثقلها في المعرض بباقة من المؤسسات الخاصة والعمومية، الناشطة والمصنعة لوسائل الرياضة والترفيه، إلى جانب مؤسسة "نازدا" التي تشرف على تجسيد ومرافقة أصحاب المؤسسات الناشئة، بالإضافة إلى حضور كبريات المؤسسات المشتغلة في مجال المعادن والتعدين والمناجم والصناعات الصيدلية والبيتروكيماوية وأيضا صناعة المركبات التابعة لوزارة الدفاع وغيرها.

كما استقطبت أجنحة من زيمبابوي، مختصة في صناعة الحلي وزخارف الزينة والجلود، اهتمام الزوار وبدت، من خلال معاينتنا لها، عالية الإتقان والدقة، وانفتاح صناعها على السوق الجزائرية بإقامة شراكات واعدة، وفق ما استفيد من العارضين.
ومن تونس برز صناعي وحرفي مختص في تصميم الساعات الحائطية الخزفية بشكل فريد في نوعه، ويقول صاحب المؤسسة، محمد الأمين الصرمي، إن الفكرة والتصميم والتصور والمادة الخام تونسية، مشيرا في دردشة مع "الخبر"، إلى أن سعر الساعة التي توضع على الطاولة تصل إلى 29000 دينار جزائري، وهو سعر يعادله تونسيا 400 دينار تونسي، وقد يكون بالنسبة لهم باهظا أيضا، بالرغم من "التحفة" الحرفية المبهرة والتي تستحق الإشادة.
وفي زاوية من زوايا المعرض، مخصصة للرسميين والشخصيات والمهنيين، شوهد الضيوف وكبار المسؤولين الأفارقة، مهتمين بالمحاضرات والشروحات والعروض حول الفرص الاستثمارية في البلدان الإفريقية والعراقيل التي تقف أمام بلوغ نماذج عالمية في الشراكات والتكتلات الاقتصادية.

التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال