في الحديث المشتهر بحديث جبريل والمخرَّج في الصحيحين، مما ورد فيه سؤال جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الإحسان؟ قال: ”الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك”، فالإحسان مقام رفيع لا يبلغه إلا المخلص من عباد الله، وهو مأمور به في كل عمل صالح، وخاصة في العبادة لما لها من شأن عظيم عند المولى سبحانه.
ففي الوضوء الذي هو شطر الإيمان كما في حديث أبي مالك الأشعري، حري بالمؤمن أن يتقنه ويحسنه كما نص الشرع، فعن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده، حتى تخرج من تحت أظفاره”.
ومن الإحسان في الصلاة الإحسان في أركانها وشرائطها وسننها ومندوباتها، ووضوئها والخشوع فيها: ”صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسا وعشرين ضعفا، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة وحط عنه بها خطيئة”. ومن هنا، ذم النبي صلى الله عليه وسلم السرقة من الصلاة لأنها منافية للإحسان فيها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ”أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته”، قالوا: يا رسول الله، وكيف يسرق من صلاته؟ قال: ”لا يتم ركوعها ولا سجودها”. والإحسان في صلاة الجمعة يتم بالاستعداد لها وحسن أدائها: ”من اغتسل يوم الجمعة فأحسن غسله، وتطهر فأحسن طهوره، ولبس من أحسن ثيابه، ومس ما كتب الله له من طيب أهله، ثم أتى الجمعة ولم يلغ ولم يفرق بين اثنين، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى”.
وكذلك الإحسان في الزكاة وفي الصدقة عموما بأن يخرجها من طيب ماله: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم}، ومن الإحسان فيها إخفاؤها: ”ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه”. ومن الإحسان في الإنفاق تجنب المن والأذى: {يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى}. وكذلك الإحسان في الصيام بالكف عن المحرمات، فليس من المعقول أن يمتنع الصائم عن المباحات ثم يقع في المحرمات وهو صائم، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ”من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه”. وكذلك الإحسان في الحج والعمرة: ”من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه”.
ومن الإحسان في العبادة الإحسان في صلاة النوافل، فها هي أمنا عائشة رضي الله عنها تصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل فتقول: ”كان يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا”.
وكذلك الإحسان في قراءة القرآن بتجويده وضبطه وتدبر معانيه والعمل به: ”الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران”، وكذلك الإحسان في الأذكار بضبطها والتقيد بالوارد منها، يقول ابن عباس: ”كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن”، وعن جابر: ”كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلمنا السورة من القرآن”. وفي عبادة الأضحية، أمرنا المعصوم أن نحسن فيها: ”إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته فليرح ذبيحته”.
وبهذا يتضح أن الإحسان محمود ومطلوب العبادات كلها، فينبغي للمؤمن العناية التامة بالإحسان في عبادته ربه، ليبلغ بها مقام الإحسان: ”أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك”، وليرقى أعلى الدرجات: {ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا}.. والله ولي التوفيق.
*إمام مسجد عمر بن الخطاب
- بن غازي - براقي
الخبر
18/05/2025 - 23:32
الخبر
18/05/2025 - 23:32
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال