العالم

مالي بعد الانقلاب.. انهيار شامل يقود البلاد إلى المجهول

عبرت دول الجوار، خاصة أعضاء منظمة جي 5 للساحل، عن قلقها من تأثير الحكم العسكري على الأمن الإقليمي.

  • 5638
  • 3:07 دقيقة
الصورة: ح.م
الصورة: ح.م

منذ الانقلاب الذي أوصل الطغمة العسكرية بقيادة أسيمي غويتا إلى الحكم، دخلت مالي في نفق مظلم من الأزمات المتشابكة، على المستويات الأمنية، السياسية والاجتماعية وتحولت البلاد إلى ساحة مفتوحة للفوضى والتدخلات الأجنبية وتعمقت معاناة المواطنين في ظل عجز حكومي واضح عن إدارة الملفات الملحّة وفي مقدمتها ملف السلم والأمن.

ولعل أحد أبرز مظاهر الانهيار الذي تعيشه مالي تمثل في تفكك اتفاق الجزائر للسلم والمصالحة، الذي وقّع عام 2015 بوساطة جزائرية، وكان قد نجح في تجميد الصراع بين شمال مالي وجنوبها وضمان حدّ من الاستقرار، إلا أن تخلي حكومة باماكو الانقلابية عن الاتفاق ورفضها الجلوس إلى طاولة الحوار مع الحركات الأزوادية أعاد الاقتتال الداخلي بين الشمال والجنوب. وفي أقل من عام، اندلعت اشتباكات مسلّحة في مدن ككيدال وغاو، ما تسبب في مئات القتلى وآلاف النازحين.

على وقع هذا الانقسام، تعزّزت أنشطة الجماعات الإرهابية، خاصة في مناطق الشمال والوسط.

وحسب تقرير أصدرته الأمم المتحدة في منتصف 2025، شهدت مالي أكثر من 1300 عملية عنف مسلح خلال عام واحد فقط، أسفرت عن ما يزيد على 2000 قتيل، بينهم عدد كبير من المدنيين.

بالتوازي مع التدهور الأمني، استمرت معدلات الفقر في التصاعد وفقا للبنك الدولي، حيث تجاوزت نسبة السكان تحت خط الفقر 45% سنة 2024، في ظل تراجع الاستثمار وتجميد العديد من برامج الدعم الدولية.

وأغلقت المدارس في مناطق كاملة بسبب العنف وأصبحت المراكز الصحية تعاني من نقص حاد في الموارد، هذا الوضع فاقم معاناة ملايين الماليين، في ظل تجاهل حكومي واضح وانشغال السلطة بتثبيت أركان الحكم العسكري. فبدلا من معالجة هذه الأزمات وغيرها، فتحت الحكومة أبواب البلاد أمام تدخلات أجنبية استعانت بقوات ومجموعات أجنبية، على رأسها مرتزقة الفيلق الإفريقي "فاغنر سابقا"، الذين اتهموا بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في مناطق النزاع، كما تمّ منح عقود استغلال الثروات المعدنية لشركات أجنبية في ظروف غامضة، ما دفع منظمات دولية إلى دق ناقوس الخطر بشأن نهب منظم للثروات الوطنية، لا يخدم سوى مصالح خارجية.

عدو خارجي لصرف الأنظار

كما يبدو أن السلطات الانتقالية في باماكو قد اختارت سياسة التصعيد الخارجي كوسيلة لصرف أنظار الرأي العام الداخلي عن الأزمات الحقيقية التي تعصف بالبلاد.

وفي هذا السياق، أصبحت الجزائر هدفا مثاليا لهذا النهج، بالنظر إلى ثقلها الإقليمي ومواقفها المستقلة ورفضها الخضوع لأي أجندة أجنبية، خلافا للنظام المالي الذي بات أداة تدار من الخارج. المفارقة أن هذا التصعيد المتواصل ضد الجزائر يتقاطع بشكل واضح مع مصالح قوى إقليمية لطالما أبدت عداءها للجزائر، على رأسها النظام المغربي الذي دأب على تقويض الدور الجزائري في منطقة الساحل والصحراء الكبرى. لم يكن الموقف المغربي يوما داعما للوساطة الجزائرية في مالي، بل عمد إلى عرقلتها في مراحل متعددة، من خلال دعم تحالفات موازية لا تأخذ في الحسبان استقرار المنطقة بقدر ما تخدم مصالح ضيقة تتعارض مع الجهود الجزائرية الرامية إلى إحلال السلم والاستقرار.

وتواجه مالي عزلة دولية متزايدة انعكست في توتر علاقاتها مع العديد من الدول والمنظمات الدولية، حيث علق الاتحاد الأوروبي المساعدات التنموية وفرض عقوبات على قادة الانقلاب، معتبرا أن الوضع السياسي الحالي يعوق عودة الاستقرار والديمقراطية، كما أوقفت الولايات المتحدة برامج الدعم ومساعدات التنمية، مؤكدة على ضرورة عودة الحكومة المدنية واحترام حقوق الإنسان.

كما عبرت دول الجوار، خاصة أعضاء منظمة جي 5 للساحل، عن قلقها من تأثير الحكم العسكري على الأمن الإقليمي، خصوصا مع تزايد نشاط الجماعات الإرهابية.

على الصعيد الدولي، دعا مجلس الأمن مرارا إلى عودة الحكم المدني وفرض عقوبات دبلوماسية على العسكريين.

هذه العزلة أثرت بشدة على الاقتصاد المالي، حيث أدى وقف المساعدات وفرض العقوبات إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية وزيادة معاناة السكان، وسط تصاعد النزوح وارتفاع معدلات الفقر والبطالة نتيجة تصاعد الأزمات الأمنية والإنسانية بناء على كل هذه المعطيات.

خطى ثابتة نحو الانهيار

يتضح أن مالي تسير بخطى ثابتة نحو الانهيار الشامل. فحكومة أسيمي غويتا، التي وعدت بالأمن والكرامة والسيادة، لم تنجح إلا في إرجاع العنف وتكريس التبعية الخارجية، واليوم تقف البلاد على حافة الهاوية، وإذا استمر هذا النهج فإن مالي لن تخسر فقط استقرارها، بل أيضا وجودها كدولة ذات سيادة، خاصة بعدما أضحت رهينة لقوى الشر والتآمر على الجزائر وأيضا ساحة لتوسع نفوذ المرتزقة.