مجتمع

أوسمة شرف لهؤلاء الأبطال

تفاعل الجزائريون مع الفيديوهات التي وثقتها مواقع التواصل، والتي جسدت بطولة استثنائية لشبان لم يترددوا لحظة في اقتحام وادي الحراش لإنقاذ ضحايا الحافلة.

  • 8512
  • 1:49 دقيقة
الصورة: ح. م
الصورة: ح. م

في كل مأساة، يبرز معدن الجزائري الأصيل، شجاعة وإقداما، حين يقرر أن يغامر بحياته لينقذ غيره. حادثة سقوط الحافلة في وادي الحراش كانت صورة ناطقة بذلك، إذ لم ينتظر المواطنون وصول فرق الحماية المدنية وتجهيزاتها، بل اندفعوا بوسائل بسيطة؛ حبال، عجلات مطاطية، ليقتحموا المياه القذرة الموحلة سباحة نحو الحافلة العالقة.

بإشادة واحتفاء كبيرين، تفاعل الجزائريون مع الفيديوهات التي وثقتها مواقع التواصل، والتي جسدت بطولة استثنائية لشبان لم يترددوا لحظة في اقتحام وادي الحراش لإنقاذ ضحايا الحافلة. المشاهد الأولى، أظهرت كيف تمكن هؤلاء الأبطال من إسعاف عدد من الركاب وتثبيت آخرين فوق الحافلة إلى أن وصلت فرق الإنقاذ، وسط ظروف بالغة الخطورة. لقد غامروا في كل لحظة، ألغوا مشاعر الخوف من عقولهم وتحدوا قوانين السباحة التي تقول إنه لا يمكن الطفو فوق مياه راكدة، فنجحوا في تحدي كل ذلك، تلبية لنداء الحياة الذي كان ينبعث من صرخات وآهات راكبي الحافلة.

نزيم، أحد الشبان الذين خاطروا بأنفسهم، يروي تلك الملحمة، قائلا: "كنا في السيارة متوجهين للعب مقابلة كرة في بوليو (حي قرب الحراش). لاحظنا حشداً من الناس يراقبون من فوق الجسر، ولم نكن نتوقع حجم المأساة. ومع اقترابنا أدركنا أن الوضع خطير، فسارعنا لتقديم المساعدة رغم قلة الإمكانيات. مصعب، يعقوب، وعلاء من الحراش وغيرهم لم يترددوا في رمي أنفسهم في الماء، كانوا يستخرجون الضحايا وينقذون من تبقى على قيد الحياة. بعضهم أُخرج في آخر أنفاسه. أكثر صورة لا تفارقني هي لامرأة مع طفليها… الأم توفيت بينما نجا ولداها، لكنهما رفضا مبارحة المكان دونها".

بطل آخر كان من بين أوائل الواصلين يقول: "تمكّنا من إخراج ثمانية أحياء و17 متوفياً بمساعدة الحماية المدنية. رأيت بأم عيني شباناً يلقون بأنفسهم دون تردد عند انحراف الحافلة. داخل الوادي صادفتُ مشاهد موت تقطع القلب، لكن آخر ضحية أخرجتها وجدتها حيّة وسط الموتى، وحمدت الله على ذلك".

لقد تحوّل مشهد الفاجعة إلى درس في التضامن والشهامة، وليس ذلك بغريب عن الجزائريين. فقد روى الإعلام غير مرة قصصاً عن جزائريين أنقذوا أطفالاً سقطوا في نهر السين بباريس، أو اقتحموا منازل تلتهمها النيران لإنقاذ ساكنيها. إنها شجاعة تؤكد أن التضحية من أجل الآخر جزء راسخ من هوية هذا الشعب. واليوم، أقل واجب في حق هؤلاء الذين خاطروا بحياتهم في وادي الحراش أن تُكتب أسماؤهم في سجل الشرف، وأن يُقلّدوا أوسمة من مصف الاستحقاق الوطني اعترافا بجرأتهم ومروءتهم. تحية لكم أيها الأبطال.