مجتمع

تجاري نوفل... قصة تحدي لافتكاك شهادة البكالوريا

توقف قلبه لمدة 10 دقائق وأقيمت جنازته واشترى والده الكفن.

  • 1345
  • 3:50 دقيقة
تجاري نوفل، الصورة: ح.م.
تجاري نوفل، الصورة: ح.م.

لا تفارق البسمة وجه الشاب تجاري نوفل، بل ويوزعها على كل من يعرفه ولا يعرفه، جلوسه طول حياته على كرسي متحرك، لا يعكس بتاتا همته العالية وطموحه اللامتناهي. يعرفه الكثيرون بمدينة سطيف وحيه الشعبي "شيمينو"، حيث ألفوا ذهابه يوميا إلى الثانوية بوسط المدينة لمزاولة دراسته، لكن الحدث الأكبر هذه المرة، هو افتكاكه لشهادة البكالوريا في شعبة العلوم الطبيعية بعد أن قضى 80 بالمائة من حياته متنقلا بين مصالح المستشفيات، ليفتك عن جدارة تأشيرة دخول الجامعة من أبوابها الواسعة.

ولد نوفل تجاري في سنة 2008 بحالة طبيعية مع آلام خفيفة أسفل الظهر، لكن سرعان ما لاحظ والداه أنه يتعب بسرعة أثناء الجري أو اللعب مع أقرانه، مما جعلهما يتفقدان طبيبا مختصا أثبت بأن لديه اعوجاجا في الظهر ولا بد من مقومات للعمود الفقري.

وفعلا تم إجراء أول عملية جراحية لنوفل بالعاصمة، لكنها لم تكلل بالنجاح، وظل بين مستشفى وآخر، لتجرى له عملية ثانية بمستشفى عين تموشنت في ديسمبر 2015، غير أن هذه العملية هي الأخرى لم تكلل بالنجاح وتسببت في مضاعفات كبيرة له، مع إصابته بضيق حاد في التنفس استدعى إجراء فتق في الرقبة وتركيب أنبوب للتنفس الاصطناعي قبل أن يتم نقله بصعوبة بالغة إلى قسم الإنعاش الطبي بمستشفى سطيف.

إعلان موعد الجنازة

في خطوة غير متوقعة على الإطلاق، بدأ نوفل يتحسن تدريجيا حين تم التكفل به في مصلحة الإنعاش الطبي بمستشفى سطيف على يد طاقم رائع يتقدمهم البروفيسور نبيل مصباح، وعادت البسمة إلى وجه نوفل من جديد.

وأحبه المرضى المتواجدون معه والأطباء والممرضون لدعابته وضحكاته التي لا تفارقه، وفجأة تعرض نوفل إلى مضاعفات كثيرة أدت إلى صعوبة بالغة في التنفس.

يقول الوالد هاشمي مصطفى: "تلقيت مكالمة حزينة من إحدى ممرضات مستشفى سطيف،"سيد هشام إبنك نوفل فارق الحياة ربي يرحمو، يمكنك المجيء إلى المستشفى لاستلام جثته"...

يضيف الوالد هشام: "حزنت كثيرا لسماع الخبر وانتابني دوار كبير كاد يفقدني الوعي، لأن نوفل قطعة من قلبي، لكن استسلمت لإرادة الله تعالى، وقمت بإخبار العائلة والأقارب والأصدقاء، مع التحضير لمراسم الجنازة. أما أنا فقد بدأت أتلقى التعازي من زملائي في العمل، حيث ركبت في سيارة طاكسي وذهبت إلى حي بومرشي لشراء الكفن قبل أن أتنقل إلى المستشفى".

عند وصوله، دخل الوالد غرفة نوفل فوجده محاطا بالآلات والأجهزة الطبية، في حين لا يزال نبضه يخفق يبطء، وأكدت الممرضة بأن الأمر لا يعدو أن يكون محسوما قبل أن يتم نقل نوفل إلى مصلحة حفظ الجثث.

غير أن الأحداث بدأت تأخذ مجرى آخر حين حضر البروفيسور نبيل مصباح المشرف على حالته، وغضب غضبا شديدا وقال: "من أخبرك بذلك، إبنك لا يزال على قيد الحياة، تم إنعاش قلبه مرات عديدة منها عملية إنعاش دامت عشر دقائق كاملة توقف فيها قلبه تماما عن الخفقان، لكنه الآن يتنفس والحمد لله".

نوفل يتحدى الجميع ويحوز على "الباك"

في حديثه لـ "الخبر"، يقول والد الطفل نوفل بأنه كان ضد إكمال نوفل لدراسته، خاصة وأنه تعب كثيرا بحكم أنه على كرسي متحرك ولا يتنفس بشكل طبيعي سوى عبر أنبوب في رقبته، وقارورة الأكسجين لا تفارقه أبدا. لكنه وصل فعلا إلى شهادة التعليم الأساسي، ونال الشهادة بمعدل 08 /10، وتم تكريمه من طرف والي الولاية، ثم دخل متوسطة مليكة خرشي بحي لنقار، واجتاز شهادة التعليم المتوسط ونجح بمعدل 15/20، وتم تكريمه أيضا من طرف والي الولاية.

وهنا بدأ الطريق يبدو أكثر وضوحا لنوفل الذي صار مثالا للتحدي والطموح، حيث نال شهادة البكالوريا بجدارة واستحقاق في شعبة العلوم، وذلك بعد سهر الليالي ودروس الدعم إلى ساعات متأخرة من الليل بمساعدة أحد زملائه.

ولأن المعدل المتحصل عليه لم يعجبه وهو 10/20، قرر نوفل الترشح للشهادة مرة ثانية العام القادم لتحسينه وتحقيق حلم دراسة تخصص الإعلام الآلي.

 "نوفل هو من يستحق التكريم"

يغرد الدكتور نبيل مصباح، رئيس مصلحة الإنعاش الطبي بمستشفى سطيف، عبر منشور له في صفحته الشخصية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك قائلا: "تجاري نوفل تحصل اليوم على شهادة البكالوريا،هنا تبدو القصة جد عادية، في وقت هناك من الناس من يقلب الدنيا رأسا على عقب حين ينجح ابنهم في شهادة التعليم الأساسي أو المتوسط، في حين نوفل تلميذ ليس عاديا وقصته لا يتقبلها عقل".

في 2016 أجرى نوفل عملية جراحية لتصحيح العمود الفقري وهو في سن التاسعة، لكن العملية لم تنجح وأصيب بشلل 100 بالمائة.

بقى نوفل متعلقا بالتنفس الاصطناعي، ودخل مصلحة الإنعاش الطبي بسطيف ومكث فيها كثيرا، حتى أن حالته تعقدت في أكثر من مرة وتوقف قلبه سبع مرات... أ أكد والله سبع مرات في أقل من ساعة، وفريق الإنعاش تمكن بفضل من الله أن يعيد قلبه للخفقان ورجعت له الحياة من جديد.

عاش نوفل وهو يتنفس من خلال فتحة في القصبة الهوائية trachéotomie  وكان يدخل ويخرج للمصلحة بشكل دوري، تعب معه والداه بشكل كبير ونجح في البيام واليوم في البكالوريا.

نوفل هو من يستحق التكريم مثله مثل من تحصل على البكالوريا بامتياز ولابد من تشجيعه، لأنه من بين القليلين الذين تمكنوا رغم كل شيء من نيل الشهادة، وصار مثالا وقدوة في الصبر والمثابرة لجميع تلاميذ البكالوريا..... ألف ألف ألف مبروك سي نوفل".