أعلن نادي شباب بلوزداد، خلال احتفالية كبرى جرت سهرة أمس بفنق الشيراتون، عن إطلاق مشروع المركز الرياضي والطبي المتكامل، "الألماسية"، المشروع الذي وصل مصحوبا بسلسلة من التساؤلات الجوهرية حول الإدارة، الملكية، والسياسة المالية لمجمع "مادار".
وقال شرف الدين عمارة ، رئيس مجمع مادار الشركة المالكة لشباب بلوزداد، في الاحتفالية التي غابت عنها الشخصيات السياسية والوزارية واقتصر فيها الحضور على المدير العام لمطارات الجزائر، إلى جانب شخصيات مثل علي بن شيخ وهشام بوعود وحسين جناد، إن مشروع "الألماسية" يمثل "وفاء لوعد قطعه لأحباء النادي"، مؤكدا أنه "مشروع استثنائي يجسد رؤية الفريق للمستقبل".
من جهته، أوضح بدر الدين بهلول، رئيس مجلس الإدارة، أن المشروع "تجسيد لخارطة الطريق التي وضعتها مادار"، واصفًا إياه بأنه "ثمرة عمل جماعي وإرادة صادقة لبناء صرح يعيد للنادي مكانته الطبيعية".
و"الألماسية" بحسب الفيديو الترويجي الذي تم عرضه خلال الحفل والمنجز بالذكاء الاصطناعي، هي أشبه بمدينة رياضية متكاملة على مساحة 12 هكتارا، في منطقة جسر قسنطينة بالعاصمة، ومصمم ليتحول إلى قطب رياضي متكامل. حيث يضم سبعة ملاعب مخصصة لكرة القدم، أحدها سيكون مغطى بالكامل.
كما يتضمن المشروع ثلاثة أقطاب رئيسية، الأول سيكون مخصصا للفريق الأول، والثاني للتكوين والفئات الشبانية، والثالث كمركز طبي متطور، سيكون مفتوحا حتى لإجراء العمليات الطبية الهامة، بحسب ما أوضح رئيس مجلس الإدارة، بدر الدين بهلول.
ويواجه هذا المشروع إشكالان أساسيان، الأول متعلق بالوضع القانوني، فـ"مادار" هي المالك المباشر للأرض والمرافق وليس الشركة الرياضية لشباب بلوزداد، كون المجمع هو من اشترى قطعة الأرض التي كانت ملكا في السابق للشركة الوطنية للتغليف، هذا الوضع يثير تساؤلات حول استمرار استخدام النادي لهذه المرافق على المدى الطويل في غياب أي ضمانات من أن لا تتكرر تجربة شركة الصناعات الميكانيكية "سوناكوم" التي وصلت، للإشراف على شباب بلوزداد سنة 1977، مع تطبيق الإصلاح الرياضي وغادرته سنة 1991 لأسباب اقتصادية، تاركة الفريق في وضع إداري ومادي كارثي.
ويمنح مجمع "مادار" الانطباع أنه لا يملك أي رغبة حقيقية في تجسيد استثمار حقيقي في شباب بلوزداد، ويصر أن يترك الشركة الرياضية للفريق، وهي الأساس، خاضعة وتابعة له، بدليل ما حدث مع قطعة الأرض بمساحة 3 هكتارات في الرغاية، التي استفاد منها الفريق سنة 2011 ضمن مشروع الاحتراف.
لكن شرف الدين عمارة رفض حتى دفع مصاريف تسجيل هذه الأرض لتصبح ملكا للنادي، مبررا بأن الفريق بحاجة لمساحة أكبر لتجسيد مشروع مركز التكوين والتدريب الخاص به.
لكن اللافت أن الرئيس الذي انفرد قبل عام بكونه أول من كتب نشيدا رسميا لفريقه، لم يتردد عام 2021 في مراسلة والي ولاية الجزائر السابق، أحمد معبد، طالبا تحويل ملكية هذه الأرض إلى "مادار"، بدلا من الشركة الرياضية لشباب بلوزداد، وهو الطلب الذي قوبل بالرفض.
هذا الإصرار على عدم امتلاك النادي للأصول بشكل مباشر، وتفضيل أن تكون المشاريع تحت مظلة "مادار"، يطرح علامات استفهام حول الاستقلالية المالية لشباب بلوزداد ومستقبله.
ويبقى الإشكال الثاني المتعلق بمشروع "الألماسية" هو قدرة "مادار" على التجسيد، مشروع بهذا الحجم وهذه الضخامة، يتطلب موارد مالية ضخمة، وقبلها شركة عالمية بخبرة لوجستية وفنية عالية على الأقل لتفادي ما يحدث مع مشروع مركز تدريب اتحاد العاصمة بعين البنيان على بساطته مع شركة "كوسيدار"، والذي وصل إلى درجة توجيه إعذارات بسبب التأخير الكبير المسجل في الإنجاز.
وهناك تساؤلات حقيقية حول الجدول الزمني الواقعي لإنجاز مشروع "الألماسية، الذي حدده رئيس مجلس الإدارة، بدر الدين بهلول، خلال تصريحاته بعد الحفل، في 24 شهرا بعد سبتمبر المقبل، وقدرة "مادار" على الوفاء بهذا التعهد.
غالبا ما تواجه المشاريع الرياضية الكبرى عقبات، علما بأن "مادار" لم تطلق بعد المناقصة الخاصة بإيجاد الشركة القادرة على تجسيد هذا المشروع الضخم.
ويتساءل كثيرون إن كان استعجال "مادار" في الإعلان عن المشروع يعكس إدراكا من شرف الدين عمارة بالتأخر الكبير الذي سجله في سبيل وضع البنية التحتية الضرورية لعمل الفريق الذي يعجز حاليا حتى عن برمجة حصصه التدريبية، أو أنه محاولة منه لامتصاص غضب الأنصار بعد الموسم الصفري الذي خرج به الفريق الموسم الماضي، وكل المصاريف القياسية التي سجلها النادي خلاله والتي ستضاف إلى رقم 1800 مليار سنتيم الذي يمثل مصاريف الفريق منذ وصول "مادار" إلى بلوزداد لغاية 31 ديسمبر 2024، مصاريف وُجّهت بالأساس إلى انتدابات وأجور وتعويضات اللاعبين والمدربين.
وما يزيد من الغموض بخصوص سياسة التسيير التي تنتهجها "مادار" في شباب بلوزداد، أن الحساب البنكي للشركة الرياضية للفريق قد بقي مغلقا منذ 2017، وكانت جميع التعاملات المالية تتم عبر الحسابات البنكية لـ"مادار". هذا الوضع استمر حتى فرض الاتحاد الجزائري لكرة القدم (الفاف) مؤخرًا فتح حساب بنكي جديد للشركة الرياضية، كشرط للحصول على إجازة النادي المحترف.
هذه السياسة المالية الغامضة، وعدم استخدام الحسابات البنكية الرسمية للنادي، تثير مخاوف جدية بشأن الشفافية والإدارة المالية السليمة. كما تبرز علامة استفهام أخرى في كون "مادار" ترفض رفع رأس مال الشركة الرياضية لشباب بلوزداد، الذي بقي منذ تأسيسها، في عام 2010، في حدود 100 مليون سنتيم فقط. هذا الرفض يقف وراء بقاء محمد بوحفص مساهمًا بنسبة 17 بالمائة، الحفاظ على رأس مال منخفض يعكس عدم وجود نية لضخ استثمارات رأسمالية مباشرة في هيكل النادي، ويزيد من التساؤلات حول طبيعة تسيير"مادار"، وما إذا كانت تصب في مصلحة النادي على المدى الطويل.
وشهد حفل الإعلان عن مشروع "الألماسية"، سهرة أمس، تكريم عدد من اللاعبين القدامى، من بينهم شخصيات معروفة بانتقادها لسياسة شرف الدين عمارة في تسيير الفريق. وقد تم منح هؤلاء اللاعبين القدامى صكوكا مالية تراوحت قيمتها ما بين 70 إلى 100 مليون سنتيم. هذا التكريم، وإن بدا لفتة إيجابية لتوحيد الصفوف، فإنه يثير تساؤلات حادة حول توقيته ودوافعه الحقيقية. بدا ذلك كمحاولة لاسترضائهم، أو بالأحرى، احتوائهم وإسكاتهم.
في المقابل، خرج شبان الفريق، تحديدًا فريق تحت 19 سنة، أبطال كأس الجزائر، والفريق الرديف بطل الجزائر للمرة الثانية على التوالي، بخيبة كبيرة. فقد تم إبلاغهم بأن جوائزهم المالية، التي لن تتعدى 20 مليون سنتيم، ستصب لاحقًا في حساباتهم البنكية. هذا التباين الصارخ بين المبالغ الممنوحة للاعبين القدامى في حفل التكريم والمبالغ المتواضعة (والمؤجلة) المخصصة للشبان الذين حققوا إنجازات حقيقية للنادي، يعزز التساؤل حول أولويات الإدارة وسياسة الإنفاق.

التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال