منوعات

لا تقرأ هذا الكتاب ولا تدرس بعد الآن !

كتاب أحدث ضجة كبيرة في فرنسا.

  • 1994
  • 3:19 دقيقة
الصورة : ح.م
الصورة : ح.م

يطلق لوران ألكسندر (جرّاح) وأوليفييه بابو (أستاذ جامعي واقتصادي) في كتاب لاذع ومقلق بعنوان "لا تدرسوا بعد الآن – تعلموا بطريقة مختلفة في عصر الذكاء الاصطناعي"، ناقوس الخطر ضد الانقراض الوشيك للتعليم العالي في مواجهة التقدم الهائل للذكاء الاصطناعي.(AI) .

 وكانت خلاصة رؤيتهما لا لبس فيها: الدراسة، التي كانت لفترة طويلة أفضل استثمار ممكن، أصبحت الآن متجاوزة حتى لا نقول "ميتة".

ما خلفية هذا الكتاب؟

وحسب المؤلفين، يُعد التعليم العالي، كما هو مصمم اليوم، "متجاوزا بالكامل" وغير مناسب لعالم يتغير بسرعة هائلة، كما أن الأنظمة التعليمية التقليدية قد فقدت قيمتها في مواجهة ثورة الذكاء الاصطناعي. والسبب يرجع إلى عدم تمكن التعليم العالي بدمج الذكاء الاصطناعي في أساليبه. ونتيجة لذلك، فإنه لا يحضر الطلاب ليكونوا مكملين للذكاء الاصطناعي أو منافسين له.

وليس بالغريب أن أصبحت معظم المناهج "عديمة الفائدة وغير مجدية" و"غير منتجة". إن الدراسة، التي كانت لقرون أفضل استثمار ممكن، "قد ماتت". بعض الدبلومات توصف بأنها "دبلومات الشكولاتة" (أي عديمة القيمة) وتُمنح بعد خمس سنوات من الدراسة التي قد تكون "متكاسلة".

 لقد أصبح الذكاء، الذي كان يُمثل أغلى ما يمتلكه الإنسان لفترة طويلة، سلعة متاحة بلا حدود ومجانية. وهذا يهدد "أرستقراطية المواهب"، مما يُجبر النخب الفكرية على إعادة طرح قيمتها في سوق العمل. ويُظهر التعليم العالي تأخرا كبيرا في التكيف مع هذه التحولات، مما يبرز الحاجة الملحة للتحديث. ويكشف الكاتبان أن ما يقرب من 86% من الطلاب يستخدمون الذكاء الاصطناعي أثناء دراساتهم. ومع ذلك، فإن الجامعات لم تستوعب هذه الحداثة بالكامل.

في إنجلترا، يستخدم 88% من الطلاب "شات.جي.بي.تي"Chat GPT  أثناء الامتحانات الكتابية المراقبة، ويسمح المراقبون بذلك. ولا تستخدم سوى 61% من مؤسسات التعليم العالي الذكاء الاصطناعي في مقرراتها، ومعظمها بطريقة محدودة أو معتدلة. ويعتبر هذا التأخر دليلا على أن المؤسسات "عاجزة" (sclérosées) عن التكيف بالسرعة المطلوبة. كما يؤكد الكاتبان أنه يجب على التعليم العالي أن يخضع لإصلاح شامل "من الألف إلى الياء". ويكمن التحديث المطلوب في إعادة توجيه تركيز التعليم نحوالتعلم مدى الحياة.

ويرى المؤلفان أن مدة صلاحية المعرفة المهنية قد انخفضت من 30 عاما في الماضي إلى عامين فقط اليوم. لذلك، يجب أن يصبح التعلم نشاطا شخصيا متطلبا ودائما ويجب التوقف عن التفكير بـ"الشهادة الأكاديمية" التي سرعان ما تصبح قديمة، والتركيز على "الكفاءات" التي يجب تحديثها باستمرار وذلك بالتركيز على المهارات البشرية التي لا تستطيع الآلات القيام بها، مثل الشبكات (les réseaux)، الشفوية (l'oralité)، مهن الرعاية، الثقة البشرية، والحدس العلائقي. ويعتبر الكاتبان أن تطوير الشبكات استراتيجية ضرورية للبقاء في مواجهة الآلات.

 ويرى المؤلفان أنه يجب أن يتحول دور الأستاذ الجامعي من محاضر في قاعات كبيرة إلى مدرب (coach) ومرشد ومرافق يعمل على أساس فردي (one to one). ويمكن أن يحل الذكاء الاصطناعي محل الأساليب التعليمية التقليدية، حيث بإمكانه أن يكون هناك معلم فردي لكل طالب.

وللتحقق من التعلم الفعلي، يجب حظر استخدام الذكاء الاصطناعي في الامتحانات الكتابية، وتعزيز التعبير الشفوي والامتحانات الشفوية. ويؤكد المؤلفان لوران ألكسندر وأوليفييه بابو أنه للبقاء في عالم الذكاء الاصطناعي، يجب على الطلاب أن يتجاوزوا النموذج الأكاديمي التقليدي ويركزوا على العمل والاجتهاد المتزايد، خلافا للاعتقاد الشائع بأن الذكاء الاصطناعي سيقلل العمل، فإن عالم الذكاء الاصطناعي "ليس مخصصا للكسالى"، وسيحتاج الأفراد إلى العمل "أكثر ولوقت أطول من ذي قبل".

ولا يعني التكيف التخلي عن التعليم، بل الموازنة بين "الأسس المتينة" و"القدرة على التكيف المستمر". ويظهر مثال مؤسسي شركة ميسترال Mistral AI أن النجاح الكبير يعتمد على تكوين أكاديمي متميز في العلوم الأساسية (مثل الرياضيات والمعلوماتية وعلوم الأعصاب)، إلى جانب الخبرة العملية.

ويرى البعض أن الجامعة لا تزال ضرورية لأنها تفرض "الانضباط" (La contrainte) اللازم لإنجاز أعمال بحثية كبيرة (مثل أطروحة الماجستير والدكتورة). الحل، إذن، ليس في "التخلي التام عن الدراسات"، بل في تحقيق توازن بين الأسس المتينة والقدرة على التكيف المستمر.

على الرغم من أن العنوان مثير، إلا أن الكتاب ليس هجوما على المعرفة. إن كتاب ألكسندر وبابو هو دعوة إلى اليقظة: إذا استمر النظام التعليمي في العمل وفقا للنموذج التقليدي "فقد انتهى بالفعل"، وإنه لا محال سينتج فقط خريجين غير مستعدين للواقع القاسي لعالم يحتاج فيه الذكاء البشري إلى "القتال" من أجل بقائه وصموده أمام الذكاء الاصطناعي الذي أصبح يفوقه ويمكن اعتباره الذكاء الأول المسيطر على كوكب الأرض، وهو بالتالي أخذ مكان الذكاء البشري الذي كان حتى بداية القرن الواحد والعشرين هو المسيطر على جميع الكائنات.