اسلاميات

ألا وشهادة الزور..!!

إن من أعظم الذنوب عند الله سبحانه بعد الإشراك به تعالى شهادة الزور

  • 8
  • 2:40 دقيقة
الشيخ عبد المالك واضح*
الشيخ عبد المالك واضح*

في الصحيحين من حديث أبي بكرة (نُفيع بن الحارث) رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”ألا أخبركم بأكبر الكبائر؟”، قالوا: بلى، قال: ”الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور، وكان متكئا فجلس فقال: ”ألا وقول الزور”، فما زال يكرّرها حتى قلنا: ليته سكت.

في هذا الحديث، حذّر المعصوم عليه الصلاة والسلام من شهادة الزور غاية التحذير بقوله وفعله، حيث كان يتحدث عن الشرك والعقوق متكئا، فلما ذكر شهادة الزور، جلس ليبيّن فداحتها وخطرها، جعل يكرّر القول بها حتى قال الصحابة: ليته سكت شفقة منهم عليه.
فكم هي قبيحة شهادة الزور؛ حيث صدَّر القول عنها بأداة التنبيه (ألا)، وحين فصلها عما قبلها من الكبائر: «ألا وقول الزور». وقوله: وجلس وكان متكئا، قال الحافظ ابن حجر: «يشعر بأنه اهتم بذلك حتى جلس بعد أن كان متكئا، ويفيد ذلك تأكيد تحريمه، وعظم قبحه».

إن من أعظم الذنوب عند الله سبحانه بعد الإشراك به تعالى شهادة الزور، ففيها مفسدة للدين والدنيا، وللفرد والمجتمع، وفيها الكذب والبهتان، وأكل لأموال الغير بالباطل، وسبب لانتهاك الأعراض، وإزهاق النفوس، وقد جاء التحذير الشديد من شهادة الزور: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور}، كما ورد المدح لمجتنبها، فقال تعالى في صفات عباد الرحمن: {والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما}. وشهادة الزور قرينة الشرك بالله، قال عبد الله بن مسعود: تُعدل شهادة الزور بالشرك وقرأ: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور}.

ومن الفتن التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها تقع في آخر الزمان شهادة الزور: «إن بين يدي الساعة تسليم الخاصة، وفشو التجارة حتى تعين المرأة زوجها على التجارة، وقطع الأرحام، وشهادة الزور، وكتمان شهادة الحق، وظهور القلم».
ومن شهادة الزور أن يشهد الإنسان بما لا يعلمه علما يقينا مثل الشمس، أو بما يعلم أن الواقع بخلافه، سواء شهد للشخص أو عليه، وليست شهادة الزور مقتصرة على الشهادة بالكذب أمام القضاة في المحاكم الشرعية، فإن شهادة الزور صورها كثيرة، ويتساهل كثير من الناس فيها، فمن ذلك أن يشهد المدير لأحد موظفيه بأنه من أحسن الناس وأنه يؤدي عمله بجدارة، أو أن يشهد موظف لآخر مهمل لوظيفته بمبرّرات لإهماله لا حقيقة لها، فيشهد له بالمرض وهو غير مريض، أو كأن يشهد موظف لآخر بأنه قام بالوظيفة منذ وقت كذا وهو لم يقم بها ولم يباشرها، يزعم الشاهد بذلك أنه يريد الإصلاح بنفع المشهود له، ولم يدر أنه بهذه الشهادة أضر نفسه وأضر المشهود له، وأفسد على نفسه وعلى المشهود له دينه.

ومنها ما يحصل عليه بعض الناس من الشهادات الدراسية، كالماجستير والدكتوراه، يأخذونها زورا وبهتانا بغير حق، وبعضهم للأسف تكون شهادته في الشريعة الإسلامية مع جهله بأبسط الأحكام الشرعية، وقد ينال بهذه الشهادة منصبا، أو مركزا اجتماعيا، فيفتي الناس بغير علم فيضلهم.

ولشهادة الزور مفاسد وآثار جسيمة؛ فمن ذلك أن صاحبها قد بنى حاله على الكذب والافتراء وطمس الحقائق، وأنه ظلم الذي شهد عليه حتى أخذ بشهادته ماله، وأنه ظلم الذي شهد له بأن ساق إليه المال الحرام فأخذه بشهادته، فوجبت له النار، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذ، فإنما أقطع له قطعة من النار». ومن أضرارها أنها سبب لزرع الأحقاد والضغائن في القلوب، كما أنها تعين الظلام على ظلمهم، وتعطي الحقوق لغير مستحقيها، وفيها زعزعة للثقة والأمانة بين الناس. * إمام مسجد عمر بن الخطاب - بن غازي - براقي