اسلاميات

الوقت هو الحياة..

لأهمية الزمن وأثره أقسم الله تعالى به وبأجزاء منه في آيات كثيرة من كتابه

  • 9
  • 3:30 دقيقة
الشيخ عبد المالك واضح*
الشيخ عبد المالك واضح*

في صحيح الإمام البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ”. الوقت نعمة عظيمة، ومِنة كبيرة، من حافظ على وقته فقد احتاط في أمره، وحافظ على نفسه، ومن أضاع وقته فقد أضاع أيامه، وخسر زمانه.

ولأهمية الزمن وأثره أقسم الله تعالى به وبأجزاء منه في آيات كثيرة من كتابه، كالفجر، والليل، والنهار، والعصر، والضحى، وغيرها، وما ذاك إلا لمكانة الزمن، ولفت الأنظار إليه من جانب، والتنبيه على جليل نفعه وعظيم آثاره من جانب آخر، فالوقت هو الحياة، وهو عمر الإنسان حقيقة، وهو كالسيف إن لم تقطعه قطعك: ”اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك”.

إنّ حفظ الوقت من أعظم ما يرى أثره في الدنيا قبل الآخرة، فطوبَى لمن بادر عمره القصير فعمَّر به دار المصير، وتهيأ لحساب السميع البصير قبل فوات القدرة وإعراض النصير: ”بادروا بالأعمال سبعا: هل تنتظرون إلا فقرا منسيا، أو غنى مطغيا، أو مرضا مفسدا، أو موتا مجهزا، أو هرما مفندا، أو الدجال، فشرّ غائب ينتظر، أو الساعة، فالساعة أدهى وأمر”.

كان أبو بكر بن عياش يقول: لو سقط من أحدكم درهم لظلّ يومه يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ذهب درهمي، وهو يُذهب عمره، ولا يقول: ذهب عمري، وقد كان لله أقوام يبادرون الأوقات، ويحفظون الساعات، ويلازمونها بالطاعات، وكان عمرو بن دينار قد جزّأ الليل ثلاثة أجزاء: ثلثا ينام، وثلثا يدرس الحديث، وثلثا يصلي، وكان وكيع بن الجراح لا ينام حتى يقرأ حزبه في كل ليلة ثلث القرآن، ثم يقوم في آخر الليل فيقرأ المفصل، ثم يجلس فيأخذ في الاستغفار حتى يطلع الفجر فيصلي ركعتين.

وإضاعة الوقت هدرا من أعظم المصائب على العبد، فكل يوم تغيب شمسه لا يعود، والغد مجهول لا تدري أتدركه أم لا، فمَن ضيّع وقته فسيأتي اليوم الّذي يندم فيه: {وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير، فذوقوا فما للظالمين من نصير}. ومن هنا، كان السلف حريصين على كسب الوقت وشغله بالعمل النافع، فقد كانوا يبادرون اللحظات، ويسابقون الساعات، يقول الحسن البصري رحمه الله: لقد أدركت أقواما كانوا أشدّ حِرصا على أوقاتهم من حرصكم على دراهمكم ودنانيركم. فكم نضيّع من الأوقات في الغيبة والنميمة، وكم نضيّع من الأوقات في اللهو واللّعب، فشغلنا الشاغل حياة وشؤون الآخرين، كم يملك هذا؟ وماذا يفعل ذاك؟ وأين يذهب فلان؟ يقول الحسن البصري رحمه الله: من علامة إعراض الله عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه، خذلانا من الله تعالى، والعياذ بالله.

فالصحة والفراغ والمال هي الأبواب الذي تلج منها الشهوات المستحكمة، ويتربّع في فنائها الهوى الجامح فيأتي على صاحبه، وكم كان الفراغ سببا في الانحراف والفساد. يقول الحسن رحمه الله: ما من يوم يمر على ابن آدم إلاّ قال له: ابن آدم، أنا يوم جديد، وعلى عملك شهيد، إذا ذهبت عنك لم أرجع إليك، فقدم ما شئت تجده بين يديك، وأخر ما شئت فلن أعود أبدا إليك.

الشباب قوة وفتوة، وحركة ونشاط، وأمل وعمل، فإذا اغتنم وقته وانتهز الفرصة في تحقيق هدف، والوصول إلى غرض شريف، وصل إلى هدفه، وحقق مطلبه، فالفرصة ثمينة، وانتهازها دليل الحزم، وعنوان العقل والجد، فالوقت رأس مال الإنسان، وساعات العمر هي أنفس ما يجب حفظه: ”لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتّى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه”.

مما أثر عن الإمام النووي أنّه كان يضع نعلا في الباب الشرقي من المسجد، ويضع آخر عند الباب الغربي، حتى إذا وجد الباب الشرقي مزدحما خرج من الباب الغربي، وكل ذلك من أجل المحافظة على الوقت واستثماره فيما يفيد.

أيها الفاضل.. استثمر وقتك، ولا تضيّعه، اغتنم الدقائق واللحظات، وعطّر لسانك بالذكر، وقلبك بالفكر، قال الجنيد رحمه الله لرجل وهو يعظه: جماع الخير كله في ثلاثة أشياء: إن لم تمض نهارك بما هو لك فلا تمضه بما هو عليك، وإن لم تصحب الأخيار فلا تصحب الأشرار، وإن لم تنفق مالك فيما لله فيه رضا، فلا تنفقه فيما لله فيه سخط. وذكر في ترجمة الربيع بن خيثم أنّه حفر في بيته حفرة على هيئة القبر، وكان في كل يوم ينام في تلك الحفرة ويقول: {رب ارجعون، لعلي أعمل صالحا فيما تركت}، ثم يسكت قليلا، ويجيب نفسه قائلا: قد أعطيناك فرصة أخرى، فقُم واعْمَل، ثم يَخرج إلى الدنيا وحاله كمن أُعطي فرصة أخرى للحياة بعد الموت.

* إمام مسجد عمر بن الخطاب - بن غازي - براقي