احتفل العالم يوم الأربعاء الماضي في الثالث من ديسمبر باليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة، ومفهوم ذوي الاحتياجات الخاصة (ذوي الهمم) يشمل أشخاصا ابتلاهم الله تعالى بأن أفقدهم شيئا من قدراتهم أو حواسهم، أو عجزوا عن القيام بمصالحهم بسبب الكبر أو المرض المزمن الذي حلّ بهم، فأصبحوا عاجزين عن الحركة والعمل والكسب أو العطاء كغيرهم من الناس، مما جعلهم في حاجة إلى رعاية وعناية خاصة من أقربائهم ومن المجتمع الذي يعيشون فيه.
إن اهتمام أي أمة من الأمم بفئة غير العاديين وبذوي الاحتياجات الخاصة يُعدّ من المؤشرات الحقيقية على رُقيّها وتقدمها الحضاري وإنسانيتها، والمجتمع الإسلامي سبّاق في هذا الميدان انطلاقا من التكافل الاجتماعي، وباعتبارهم جزءا من جسد هذا المجتمع الذي تتداعى له سائر أجزائه لما يصيب كل عضو من أعضائه.
إن الإسلام قد تضمّن الكثير من الأحكام الشرعية التي نبّهت لضرورة رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة في كثير من آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، وكذلك فعل الخلفاء والحكام وعامة المسلمين على مرّ تاريخ الإسلام، حين كان الإسلام والمسلمون في عزة ومنعة وسؤدد، وقد حظي ذوو الاحتياجات الخاصة بأحسن رعاية وأفضل اهتمام. وعاملهم الدين الإسلامي على أساس المساواة ولم يهضم حقوقهم، ودعا إلى احترامهم ومخالطتهم ومساعدتهم، ورفع من منزلتهم وقدر حقوقهم.
وتعدّ رعاية المعاقين من أعمال الخير ذات الطابع الإنساني التي أصبحت في العصر الحديث مجال اهتمام العالم وعنايته الذي تركزت جهوده في تأهيلهم والتخفيف من معاناتهم، والعمل على إدماجهم في المجتمع والحياة العامة ورعايتهم.
إن الشريعة الإسلامية بنت موقفها من المعاقين على أسس متميزة، تتمثل في حفظ كرامتهم واعتبارهم فئة من خلق الله المكرمين (ولقد كرمنا بني آدم)، وأن قيمة الإنسان إنما هي في تقواه وعمله الصالح لا في سلامة أعضائه أو شكله. لقد جاء القرآن الكريم على ذكر ذوي الأعذار بصفات شتى، مثل قوله تعالى: (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج).
والعناية بذوي الاحتياجات الخاصة فرض عين على من تجب عليه كفالته، وفرض كفاية على المسلمين. والعناية بالمعاق والقيام بأمره من فروض الكفايات على الأم،ة إذا قام به بعضهم سقط الإثم عن الباقين، وإذا لم يقم به أحد كان الجميع آثمين.
وتاريخنا الإسلامي مليء بالجهود الفردية في هذا المجال، وخير شاهد على ذلك تلك الأوقاف المتنوعة التي خدمت بشكل كبير فئات محتاجة للمساعدة والعون، ولقد تفنن المسلمون الأوائل في تخصيص أوقافهم، ومنها أن من أوقافهم مؤسسات لإمداد العميان والمقعدين بمن يقودهم ويخدمهم.
ولما كان الأفراد في المجتمع الإسلامي كالأعضاء في الجسد الواحد، فمن الطبيعي أن ترتبط سعادة المجتمع واستقراره بسعادة الأفراد واستقرارهم، والمعاقون والعجزة ونحوهم من المرضى والمصابين هم أعضاء في المجتمع، لا يتعافى المجتمع ما لم يُعِنْهُم على آلامهم ويقف إلى جانبهم في مواجهة مشاكلهم، ويكفل لهم السبل المؤدية إلى توفير حاجاتهم ومستلزماتهم وضروريات حياتهم.
إن مسؤولية ولي الأمر المسلم عن الرعية تشبه مسؤولية ولي اليتيم عن اليتيم، وذلك من حيث قيامه على مصالحه ورعايته لشؤونه وصرف المال فيما هو أنفع له، مع ترتيب الأمور بحسب أهميتها الأهم فالمهم.. وهكذا... وفي المقابل، الاجتهاد في إبعاد كل ما فيه ضرر متوقع عليهم. ولذا، قال الفقهاء في القاعدة الفقهية: ”تصرُّف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة”.
ويقرّر الإسلام أن مسؤولية رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة بتوفير مستلزماتهم وأسباب الحياة اللائقة لهم لا تقع على عاتق أسرهم وأولياء أمورهم وحدهم، وإنما هي من فروض الكفاية التي يشمل إثم التقصير فيها غيرهم من أفراد المجتمع. ولا تقتصر حقوق المعاقين في المجتمع على توفير أسباب الحياة الكريمة لهم في المأكل والملبس والمسكن والدواء، بل تشمل أيضا السبل التي تعينهم على الاندماج في المجتمع، وتسهّل عليهم الوصول إلى الخدمات العامة فيه للاستفادة منها، وتحقق لهم كل ما يساعد على ممارسة حياتهم بصورة طبيعية أو قريبة من ذلك ما أمكن.
وأوصي في الختام بأن تقوم وسائل الإعلام بمساندة المعاقين وتلبية احتياجاتهم والاهتمام بقضاياهم، وضرورة تكثيف الجهود الإعلامية لتوعية الناس وحثهم للاهتمام بهذه الفئة الخاصة من المجتمع، والوقاية من الأمراض التي يتسبّب الإهمال في علاجها الإصابة بالإعاقات المختلفة.
الخبر
08/12/2025 - 00:21
الخبر
08/12/2025 - 00:21
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال