العالم

تغوّل الإعلام اليميني المتطرف على الساحة الفرنسية

أصبح قطبا قائما بذاته في المشهد الإعلامي الفرنسي.

  • 1717
  • 3:13 دقيقة
الصورة: ح.م
الصورة: ح.م

سلطت صحيفة "لوموند ديبلوماتيك" الفرنسية، الضوء في تقرير مطوّل لها، الضوء على تنامي سطوة الإعلام المتطرف في فرنسا على الساحة وكيف أن التوجه المتطرف أصبح يستقطب الصحافة المحافظة في البلاد، ويؤثر بشكل كبير في رسم سباق الرئاسيات المقررة في 2027.

ولفتت الصحيفة إلى أنه لأول مرة منذ تحرير فرنسا، أي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أصبح الإعلام اليميني المتطرف قطب قائم بذاته في المشهد الإعلامي الفرنسي. وكتبت الصحيفة التي تصدر مرة كل شهر، أن هذا القطب "ممول بشكل جيد وقوي ومتنوع، وهو يجذب الصحافة المحافظة ويقلق وسائل الإعلام الليبرالية".

وتابع أن هذين الجناحين اللذين هيمنا في السابق على الصحافة السائدة، يعملان كل في معسكره الخاص لإعادة تنظيم المجال السياسي تحسبا للانتخابات الرئاسية لعام 2027.

وحذّر التقرير من أن محاولات الليبراليين والمحافظين في فرنسا، رسم الخريطة السياسية لاقتصار المنافسة بين رمزين من التيارين ستسقط في الماء، كما وقع في 1995 حين أحدث جون ماري لوبان المفاجأة  منافسا لجاك شيراك، على عكس الحسابات التي كانت تدفع لمنافسة بين جاك دولور وإدوارد بلادور.

وشرح التقرير كيف يشتغل الإعلام الفرنسي المتطرف لصناعة نخب تدير الشأن العام الفرنسي مستقبلا وتوجيه السياسات العمومية عبر تشويه سمعة المرشحين المحتملين الذين من المحتمل أن يقفوا في طريق المواجهة بين ما أسمته التوأم السيامي غلوكسمان وإدوارد فيليب.

ونبّه التقرير إلى أن تراجع تأثير من وصفهم باللاعبين الرئيسيين في مجال الأخبار السياسية "لوموند" و"تي.إف.1" و"فرانس تيليفيزيون" و"ليبراسيون"، و"لونوفيل أوبسرفاتور"، و"فرانس إنتر"، وغيرها والتي كان خطها التحريري يتأرجح بين الليبرالية المحافظة والليبرالية الاجتماعية.

وقال إن تأثيرها أصبح الآن محصورًا في الشريحة الحضرية من الطبقات المتعلمة، وتابع أن المشهد الإعلامي في فرنسا يعاد حول قطبين، أحدهما ليبرالي ثقافيا، متوافق مع البرنامج الاقتصادي للحكومات التي عيّنها إيمانويل ماكرون، والثاني والآخر محافظ للغاية وقريب من اليمين المتطرف.

وحسب التقرير، فإن اللوبي الإعلامي الذي يموله رجال الأعمال فانسان بولوري، لا يعمل فقط على تكريس وجود مرشح يميني متطرف في الدور الأول، بل يعمل على اختيار المرشح الملائم له ومن ينافسه، وأن يمين اليمين يعمل على تفضيل وزير الداخلية برونو روتايو أو جوردان بارديلا على حساب مارين لوبان التي تعتبر أقل مرونة واجتماعية أكثر من اللازم، وهي تنتقد الاتحاد الأوروبي بشكل كبير ولا تبالي بدينها العلماني الجديد والدعم العسكري لأوكرانيا.

ويجري في هذا السياق توظيف استطلاعات رأي (معروف نتائجها مسبقا) لخدمة هذه الإستراتيجية وتظهر تراجع مارين لوبان أمام جوردان بارديلا، للعلم أن لوبان، كما أشار التقرير، تخضع لقرار بالحرمان من الترشح بسبب فضيحة التمويل.

وأبرز التقرير العمل المهيكل لإقصاء رئيس حزب فرنسا الأبية، جون ميلونشون، من المشهد السياسي عبر شيطنته بصفة مستمرة السباق والتسويق لرافييل غلوكسمان القيادي في الحزب الاشتراكي (مؤيد لإسرائيل)، وأشاروا إلى أن ميلينشون لا يزال "الطبق المميز في قائمة الصحافة الفرنسية، حيث فيما كان الإعلام الدولي مركزا على الوضع في غزة والصدام المسلح بين باكستان والهند،  كانت الأضواء مسلطة على فرنسا الأبية ورئيسها الذي صدرت في شأنه تحقيقات وأعمال صحفية أخرى تنتقد ماضيه.

وبالنسبة لكاتبي المقال، فإن توسع القطب المحافظ المتطرف في مواجهة كتلة مركزية لاهثة (ليبرالية أو محافظة) يسبّب تحوّلا عاما نحو اليمين المتطرف.

وأبرز التقرير أن المثقفين والسياسيين الذين كانوا يواجهون سابقا حزب عائلة لوبان، يعملون الآن كقادة له، ولفت إلى مظهر من مظاهر التحول في الساحة الإعلامية الفرنسية، أن  نموذج قناة CNews-Europe 1  جذاب وغير مكلف ومربح من حيث الجمهور ولا يتطلب الكثير من الناحية المهنية.

استهداف "الإسلام الهجرة الأمن" والدفاع عن إسرائيل  

وبغض النظر عما يفعله العالم، فإن الأجندة التحريرية للقناة تشتغل على ثلاثية انعدام الأمن، الإسلام، الهجرة -والتي أضيف إليها رابع: إسرائيل (الدفاع عنها) وخامس: فرنسا الأبية (تدميرها) على مدى الأشهر الثمانية عشر الماضية.

وأورد المقال بعد أن كانت الصحافة اليمينية المتطرفة لفترة طويلة محصورة في زوايا واضحة المعالم، تمارس الآن قوة جذب قوية على هامش القطب الليبرالي، ليخلص للقول بأن وسائل الإعلام تعكس الآن موازين القوى السياسية وهي في الواقع تقوم أيضًا بتشكيلها".

ويشكل هذا التقرير النقدي محاولة أخرى لتسليط الضوء على المخاطر التي تواجهها فرنسا أو ما يمكن اعتباره جرس إنذار. عمل الكاتب الصحفي، سيرج حليمي، المشارك في كتابة المقال،  على تسليط الضوء عليه، كما فعل مقالات أخرى مخاطبا الضمير الجمعي الفرنسي من أن اليمين المتطرف على أبواب السلطة في فرنسا بعد عامين.