الاستعجـالات الطبية "صائمة" في رمضـان

38serv

+ -

غاب الطابع الاستعجالي في مستشفياتنا وحل محله الخمول والفوضى والإهمال، وهو ما تلحظه عيناك للوهلة الأولى لدى ولوجك مصلحة الاستعجالات الطبية الجراحية بالمستشفى الجامعي مصطفى باشا في قلب الجزائر العاصمة. وجوه عبوسة تحملها أجسام ينخرها المرض، ضجيج وفوضى ينبعثان من كل جهة، مرضى يئنون من آلامهم في كل زاوية.. وجميع قاعات العلاج شاغرة باستثناء مكتب واحد اصطف أمامه عشرات المرضى، العاقل فيهم “مقلق”.قنبلة موقوتةكانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة من يوم رمضاني ساخن، دخلنا مصلحة الاستعجالات فوجدنا أعوان الحراسة متجمعين تحت المكيف الهوائي أمام مكتب الاستقبال، بينما ظل المرضى في الجانب الآخر يـئنون من آلامهم وأخذ عددهم يتضاعف شيئا فشيئا في غياب الطبيب وبدأت وتيرة الغضب ترتفع لديهم.وما هي إلا لحظات حتى خرج السيد “طاهر. ب“ الذي رافق ابنته بسبب آلام في ساقها عن صمته وانفجر يكلم أعوان الحراسة بنبرات غضب “أين ذهب هذا الطبيب، المرضى يموتون ولا أحد يلتفت إليهم.. أين هو المسؤول..”، ليرد عليه أحد الأعوان الذين كانوا ينعشون أجسامهم تحت المكيف الهوائي بأن الطبيب غادر لمعالجة حالة حرجة في مصلحة طبية أخرى.. “أعصابك يا عمي.. سيعود الطبيب بعد لحظات”.ومرت اللحظات لكن “لا حياة لمن تنادي”، هكذا صاح السيد طاهر في وجه الجميع وألقى بالبطاقة الطبية فوق مكتب الاستقبال وغادر المصلحة وتبعته ابنته تعرج في السير بصعوبة، تاركا وراءه عشرات المرضى يشتعلون غضبا.حالة الفوضى والإهمال التي وقفنا عليها داخل استعجالات المستشفى دفعت ببعض المرضى إلى البحث عن الطبيب بأنفسهم، فالبعض تنقل مشيا على الأقدام إلى المصلحة الطبية المقصودة بحثا عن الطبيب، وآخر لجأ إلى رئيس المصلحة بنفسه للاحتجاج، بينما أخذ مصطفى يطرق أبواب المكاتب ويدخل بحثا عن طبيب يقدم له الإسعافات الأولية، لكن من دون جدوى.فتنةبعد قرابة ساعة من الانتظار التحق أخيرا الطبيب بمكتبه، فاشتعلت فتنة بين المرضى الذين شكلوا طوابير أمام باب المكتب، كل منهم يرى أنه أولى بالدخول من الآخر، في غياب ممرضين يضبطون الأمور، والسيدة حسيبة صاحبة 60 سنة تخاطب الجميع بعد أن نفد صبرها وهي واقفة تنتظر دورها وفي كل مرة يتخطاها أحدهم بحجة أن حالة المريض خطيرة ولا مجال للانتظار أكثر “كلنا مستعجلون، وكلنا صائمون من جاء الأول يدخل الأول”، ولم تكمل حديثها حتى هاجمها أحدهم قائلا: “كنت هنا قبل مجيئك فأنا أولى بالدخول إذن”، وثارت الثائرة ودخل المرضى في معركة ملاسنات حادة استدعت تدخل أعوان الحراسة لتهدئة النفوس.وأثناء مغادرتنا استعجالات المستشفى الجامعي لمصطفى باشا لمحنا سيدة تهرول مفزوعة باتجاه مكتب الاستقبال، تخبرهم بأن سائق سيارة الإسعاف أخطأ في نقل والدتها فعوض أن يتجه بها صوب مصلحة طب الأعصاب نقلها خارج المستشفى إلى وجهة أخرى خاطئة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: