+ -

واضح أن زيارة مركل للجزائر كانت تحمل ملفا واحدا أوحد، وهو عودة الحراڤة الجزائريين إلى الجزائر... وواضح أن مركل حصلت على موافقة الجزائر بعودة أبنائها الحراڤة قبل الزيارة، وأن الزيارة كانت مقايضة هذا الموقف الجزائري من الملف بقيام مركل بالتصوّر مع الرئيس بوتفليقة، وهو ما تم فعلا... وكانت الزيارة خاطفة وسريعة...! ولولا مناسبة الغداء لكانت الزيارة لسويعات!وواضح أيضا أن الخلاف الوحيد الذي كان بين الحكومة الجزائرية والحكومة الألمانية حول عودة الحراڤة هو من يتكفل بنقلهم؟!وكانت الجزائر ترى في عودتهم على دفعات (70 حراڤا في الأسبوع) هي الطريقة المثلى لسير العملية... لأن العدد يسمح للمصالح الأمنية الجزائرية بالتأكد من جزائرية هؤلاء الحراڤة، خوفا من أن يتسلل إلى البلاد في ثنايا العملية من هم غير جزائريين... وربما عملاء لمصالح الأمن أو مشاريع جواسيس لدول أخرى! بالإضافة إلى أن نقل 4000 حراڤ دفعة واحدة من شأنه أن يربك مصالح الأمن الجزائرية، وهو ما يدل على أن مصالح الأمن الجزائرية لا تملك الإمكانات الكافية لإجراء هذه العملية في وقت قصير كما يطلبه الألمان، وأن حكاية من يدفع ثمن النقل ما هي إلا ذريعة للتغطية على الحقيقة.واضح أيضا أن السلطة في الجزائر كانت في حاجة إلى زيارة من نوع زيارة مركل، ليس فيها «تكسار الراس» السياسي للجزائريين، وليس فيها أيضا أعباء للألمان.هناك جانب إيجابي جدا للألمان قدمته مركل للأوروبيين، وهو إمكانية قيام الدول الأوروبية بإعادة الحراڤة إلى الجزائر دون دفع الثمن غاليا، كما حدث مع الأتراك، لأن الحراڤة الذين تكفلت بهم تركيا ودفعت الثمن أوروبا، ليسوا حراڤة أتراكا، عكس الأمر في حالة الجزائر وشمال إفريقيا.ولهذا لم يشترط الجزائريون أموالا لاستقبال الحراڤة.. لأن الأمر يتعلق بأبناء الجزائر، ومن حق أوروبا أن تطالب الجزائر بعودتهم إلى بلدهم، وأكثر ما يمكن أن تناور به الجزائر في هذا الأمر، هو ثمن النقل ومدة النقل وكيفية النقل.هناك جانب إيجابي لما قامت به مركل في هذا الملف، فقد تبدأ عمليات الترحيل من ألمانيا وتعم كامل أوروبا، وعندها سيعود عشرات الآلاف من الحراڤة، ومن المتوقع أن يتسببوا في حراك سياسي اجتماعي قوي لم تعرفه الجزائر، وسيؤدي الأمر إلى تحالف بين العائدين الذين تقطعت بهم السبل، وبين البائسين الذين كانوا ينتظرون الحرڤة وأغلقت الأبواب في وجوههم بهذا الإجراء، وعندها سيقع حراك سياسي واجتماعي لم يكن في الحسبان.فإذا كانت عودة الجهاديين الأفغان في التسعينات قد أحدثت ما أحدثته من اهتزاز أمني، فإن عودة الحراڤة البائسين بأعداد معتبرة، بعد الذي عاشوه في أوروبا، يمكن أن تؤدي إلى تثوير سياسي واجتماعي للمجتمع الجزائري الراكد والمستسلم، وهذه زاوية إيجابية لم تكن في الحسبان.

 

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات