38serv

+ -

أخبرني صديق زار الصين في إطار عمل، أن أحد رجال الأعمال الصينيين قال له بصريح العبارة “يا أخي ما بكم.. لم أر شعبا يكره بعضه مثل الشعب الجزائري؟”.وأضاف: “يأتيني المستورد الجزائري (وهنا لا نعمم) فأقدم له السلع من النوعية الجيدة (الأولى)، فيطلب مني أن يأخذ أرخص السلع، مهما كانت ليبيعها في الجزائر، والغريب أنني أجده يبيعها بنفس سعر السلعة ذات الجودة العالية من الدرجة الأولى”.يستشهد دكتور آخر في حصة تلفزيونية، بأن هناك فلاحين يستعملون الأسمدة بإفراط، حتى تزيد المنتجات الفلاحية حجما ويزيد وزنها، رغم علمهم بأنها تسبب السرطان.مخيفة جدا تلك الأرقام التي تتحدث عن عدد مرضى السرطان في الجزائر حفظكم الله. مرض ينخر جسد الجزائريين كبارا وأطفالا.. ولا حل في الأفق، ليس من ناحية الدواء والتكفل الصحي بالمرضى، الذي أصبح ظاهرا للعيان أن الدولة عاجزة عن ذلك. لكن أيضا من ناحية الوقاية أولا، فالمرض الذي انتشر كالوباء له أسبابه ومسبباته، ويلزمه قرارات نابعة من قناعات وإجراءات تنتج عن حكومة حقيقية تهتم بمشاكل الشعب وانشغالاتهم وليست حكومة حملات تخديرية، تزيد من الوضع تعفنا.. يلزمه نظام يضع صحة المواطن من أولوياته، أكثر من الاهتمام بمشاكل المعارضة والموالاة.. السرطان ينخر جسد الشعب ولا شيء لمواجهته، مجرد أرقام تقدم وتحذيرات من المستقبل، لا مخابر تنجز، ولا دراسات وأبحاث في هذا المجال ولو من مخابر أجنبية ندفع لها إن تطلّب الأمر. لا يمكن أن نبقى نصرف الملايير كل عام بينما تزداد قائمة ضحايا المرض طولا، ونخسر المئات بل الآلاف من الجزائريين سنويا، وربما من خيرة أبناء الوطن، فالخسارة مضاعفة، فالأمم تخسر على بناء إنسان أكثر مما تخسره على بناء مصنع، إنسان منذ أن يكون طفلا إلى أن يكبر، يستهلك من الجهد والأموال ما يستهلك، وتأمل الأمة بعد ذلك أن تستفيد منه وأن يقدم إضافات للمجتمع، ليأتي المرض فيأخذه بسرعة البرق، بل ويضيف على المجتمع أعباء أخرى ومآسي اجتماعية أخرى.السرطان ينخر جسد الشعب، ولا دراسات وقائية لتوقف هذا الزحف.. إن المرض يستلزم وضع خطة استعجالية، وهذا لا يتوقف فقد على مخابر لصناعة الأدوية، بل مخابر لدراسة الأسباب الحقيقية وراء تفشي هذا المرض في المجتمع الجزائري، خاصة في الـ20 سنة الأخيرة، دراسات تتعرض إلى معرفة ماذا يأكل الجزائري سواء الأغذية المنتجة أو تلك المستوردة؟ ماذا يشرب؟ هل كل المياه صالحة؟ ماذا يلبس؟ ما هي الأدوية التي يستعملها؟ خطط الوقاية من الأمراض المعدية في المستشفيات؟ إن إجراء دراسة من هذا القبيل من قبل خبراء صحة تضع أمامنا الأسباب الكثيرة لانتشار المرض، ومن خلالها يمكن أن نضع القوانين ونتخذ الإجراءات اللازمة للوقاية منه.سرطان ينخر جسد الجزائر، لم يأت من فراغ، بل بسبب سرطانات أخرى، ففي المجتمع هناك سرطان أفظع وأخطر، سرطان موت الإنسان فينا. فالأرقام مخيفة عن المواد المسرطنة التي يستعملها الجزائري، والأكل الفاسد والمضر والمنتهي الصلاحية والمواد والألبسة التي تسبب السرطان، إضافة إلى الأسمدة التي تستعمل في الزراعة وينتج الإفراط فيها السرطان، كلها بسبب غياب الضمير والأخلاق والوازع الديني الذي انعدم عند الجزائريين. ويرافقها سرطان آخر هو سرطان الفساد ويقابله سرطان غياب الدولة والرقابة، سرطانات متعددة ستؤدي بنا إلى الانهيار التام كمجتمع، مرة بسبب النظام الذي جعل من السكوت طريقا لشراء السلم الاجتماعي فاختلط الحابل بالنابل، ولا شيء يوقف فساد هذا المجتمع في أخلاقه، لأن هذا الفساد يريح الحاكم، فالمصيبة إذا عمت خفت، وسرطان الفساد أصاب المجتمع الذي التهمته الفردانية والأنانية المفرطة والجشع والطمع وحب الثراء السريع، وإن كان على حساب صحة وحياة أخيه الإنسان الجزائري الآخر.وأما بعد.. هناك سرطان استقالة الضمير الجمعي والمؤسسات المؤهلة لانتقاد المجتمع وتوعيته ومحاسبته وتحذيره وتنبيهه، من جمعيات همها البقاء وإعانات الدولة وأحزاب همها الانتخابات ومساجد وجهات دينية ضاعت بين التيمم والوضوء والدعوة للحاكم بطول العمر حتى والبلاد سائرة نحو الهاوية، بينما أغفلت الأخلاق التي تصون المجتمع. أتمنى أن أسمع إماما يقدم خطبة عن كيف يعاقب الله من يعرض الناس للموت. وأختمها بالإعلام الذي انغمس في لعبة إلهاء النظام وأصبح دوره الإثارة والبحث عن المواضيع التي تجلب القارئ أو المشاهد، بينما غيّب مواضيع التوعية ونقد المجتمع.. كلها سرطانات متعددة والحبر أصبح لا يكفي لكتابتها لو عددناها، ولم يبق إلا الدعوة بالشفاء للجزائر من كل هذه السرطانات.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات