"أقلعنـا منـذ زمـن نحـو المجهـول"

+ -

 أصبح الجزائري اليوم على خبر مضحك مبك، لا يمكن أن يخرج عن يوميات المسلسل الكوميدي الذي يحمل عنوان ”مرحبا بك أنت في الجزائر”.  الخبر مفاده أن قادة ثلاث طائرات تابعة للخطوط الجوية الجزائرية أقلعوا بطائراتهم دون ركاب، أو تركوا أكثر من نصفهم ينتظرون في المطار، ولا أحد استمع إلى شكواهم، ولا اهتم لأمرهم. يبدو الأمر ربما عاديا أو أصبح عاديا بالنسبة للجزائريين، لأن هناك من أقلع بالجزائر ككل، النظام وحاشيته وكل المباركين و”المتظللين ببرنوسه”، بعد أن أقنعهم بأنه لا ظل إلا ظل برنوسه، ولا نجاة للجزائر إلا به، بينما يسير بها إلى اتجاه مجهول، تاركا الشعب ينتظر ”متى يفرج ربي”، بينما يرمي له من فوق، ومن الحين إلى الآخر، تارة برسائل التطمين بأن الجزائر التي أقلع بها بخير، وتارة رسائل الحب والغرام لكل من يؤيدونه ليجدد لهم وعوده، وتارة أخرى التهديد بأن يسقط الطائرة على رؤوسهم و”علي وعلى أعدائي”.. هكذا يتعامل النظام بفردانية وعدم احترام لمن ينتظر أن يصل بالجزائر إلى بر الخير والتقدم والرقي، إذن فلا غرابة أن يقلع قائد الطائرة دون ركاب، وينطلق القطار دون مسافرين.. لكن الأمر يتجاوز مجرد تلاعب في شركة للخطوط الجوية الجزائرية، وهي من أكبر الشركات التي لاتزال واقفة، تواجه منذ سنوات كل أنواع الانحرافات والضغوط، إن الأمر خطير ويدل على أننا فعلا نعيش خارج إطار الدولة، وأن الصراع على كل ما يمثل ملكا لهذا الشعب وما تبقى له من مكتسبات الاستقلال، وصل إلى أوجه، وأن ندفع دفعا للتمرد أو الانصياع، لبيع كل ما يمثل الجزائر كدولة.مهما كانت العيوب التي نسجلها على الخطوط الجوية الجزائرية، ومهما كانت النقائص، والتي يدفع ثمنها المواطن الجزائري، فإن الحل ليس في تحطيم هذا المكسب الذي هو ملك لكل الجزائريين، كما حدث في التسعينيات حين فتحنا الأبواب على مصراعيها لبيع كل شيء، كل المكاسب التي كانت نتيجة نضال ووقوف رجال آمنوا بالجزائر، وبإمكانية التخلص من التبعية وتحقيق الاكتفاء الذاتي على الأقل. لكن باعوا كل شيء، ولم تبق إلا أشجار الزيتون والنخيل في الصحراء لم تبع. بل باعوا حتى الرمل والبحر أجروه وباعوا الأراضي المحاذية للشواطئ. نعود بعد سنوات من التسيير العبثي، الذي لا أصدق أنه كان نتيجة مرحلة حتمية، لنطالب بإنتاج محلي وتشجيع الإنتاج المحلي وتشجيع السياحة والفلاحة. بربكم بم تشجعون وأنتم مستمرون على نفس النهج؟ مانزال نعاني إلى اليوم من هذا الاستنزاف القاتل للجزائر، إذ سمعت مؤخرا أن الأراضي المحاذية لشاطئ العربي بن مهيدي (جون دارك) وهو من أجمل شواطئ ولاية سكيكدة، قد بيعت للخواص بالقطعة، بينما كان يمكن أن تصبح مركبات سياحية راقية بامتياز، يستفيد منها الجميع، وربما نفس الشيء يحدث في ولايات أخرى.أخاف لو أقدمنا يوما على التفريط في هذه المؤسسات السيادية بالنسبة للجزائر، واستنزاف الأراضي الفلاحية والأراضي المحاذية للشواطئ، دون دراسة وتعمق في طبيعة المجتمع والسوق الجزائرية ورهانات المستقبل، ونعيد تجربة التسعينيات، سنعود إلى القرون الغابرة ونحج إلى بيت الله برا أو مشيا على الأقدام، ونسبح في البرك ونأكل الحشيش. يقول المثل الجزائري الرائع ”أعطيني الراي وما تعطينيش الدراهم”، لأن المال بلا رأي سديد وتفكير ممنهج ومنطقي وحكيم لا يصمد أمام هذا التكالب المصلحي المحلي والدولي تقوده دول وشركات ومؤسسات لها من التجربة والقوة، ما يصعب مواجهته، وتطمح إلى السيطرة على كل ما تدب فيه الحياة على وجه الأرض، وعلى الجزائر أن تحافظ على كل مكتسباتها، وتحاول أن تطورها، وتحسن من خدماتها، وترفع من مستوى مستخدميها (ماديا ونوعيا)، وأن تصفي هذه الشركات من النزاعات الضيقة، وتبعدها عن الصراعات الفوقية لأصحاب النفوذ في السلطة، ومصالح رجال المال والأعمال والفساد، لتضمن تسييرا جديا، والأمر لا يتعلق بالخطوط الجوية الجزائرية فحسب، بل بكل المؤسسات السيادية، ومكتسبات الشعب، أما الخواص فعليهم أن يستثمروا، لا أن يشتروا ما هو موجود ”وياكلوها طايبة وبنينة وسمينة”.. أتمنى أن ننتهي من بيع ما هو ملك للجزائريين، ومن أراد أن يبيع، فليبع بيته ويسكن في العراء ليفهم القصد[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات