الجيش توقع سقوط 100 قتيل في تيڤنتورين

+ -

في بداية 2013 خضعت السلطات الجزائرية لاختبار حقيقي، فبعد أسبوعين من بداية السنة كانت الجزائر على موعد مع أكبر هجوم يستهدف الأمن الوطني تنفذه جماعة إرهابية جاءت من خارج الحدود، وتشير مصادر عليمة إلى أن الهجوم الإرهابي شكل صدمة حقيقية للجزائر، حيث لم يتوقع أحد أن تتمكن مجموعة مسلحة كبيرة العدد من التسلل إلى موقع استراتيجي وتسيطر عليه. في البداية جاءت إشارة مقتضبة من قيادة الدرك الوطني تفيد بوقوع هجوم إرهابي ضد منشأة تيقنتورين، وأن التعامل معها جار للقضاء على الإرهابيين، لكن وبعد أقل من ساعة بدأت معالم الكارثة في الظهور، حيث تبين أن مجموعة مسلحة كبيرة العدد تسيطر على مصنع الغاز بعد أن لغمت أجزاء منه وتمكنت من احتجاز أكثر من 900 عامل منهم 130 أجنبي، وتقرر على ضوء البرقية الثانية التي صدرت في تمام الساعة السادسة ونصف من صباح يوم 16 جانفي 2013 استدعاء المجلس الوطني الأعلى للأمن، وتكليف قائد الناحية العسكرية الرابعة بالتنقل فورا إلى الموقع ونقل 3 وحدات عسكرية متخصصة في مكافحة الإرهاب من القوات الخاصة، ووحدات الدرك المتخصصة في مكافحة الإرهاب ومفرزة التدخل الخاصة، وقوة المهمات الخاصة التابعة للمخابرات ”جيس”، وتجنيد كل وسائل الدولة لمواجهة ما يفترض أنها حالة حرب معلنة ضد الجزائر.في ذالك الصباح ناقش المجلس الأعلى الوطني للأمن تداعيات أزمة احتجاز الرهائن واقتحام مصنع الغاز في تيقنتورين، وتوصل الاجتماع الذي ترأسه بوتفليقة وحضره قادة كبار في الجيش والأمن إلى أن عملية تيقنتورين هي محاكاة من التنظيمات الإرهابية في شمال مالي لعمية مسرح موسكو التي تمت عام 2002، وتقرر أن لا مجال للتفاوض مع الإرهابيين، وأن الرد عليهم سيكون بنفس الطريقة التي ردت بها روسيا على عملية مسرح موسكو ولكن بطريقة أكثر إنسانية.3 وسائل للتجسس على الإرهابيين في تيڤنتورينفي 16 جانفي 2013 لم تتوفر الكثير من المعلومات لدى المخابرات الجزائرية حول طبيعة الهجوم الإرهابي على مصنع الغاز في تيقنتورين، كل ما توفر حسب مصادر عليمة هو تحذير أمني حصلت عليه المخابرات قبل أيام من الهجوم حول عملية إرهابية وشيكة في الجنوب، بالإضافة إلى تقارير كتيبة الدرك الإقليمية في عين أمناس التي كان أفرادها أول من تعامل مع المجموعة الإرهابية، وفور وقوع الهجوم تقرر على مستوى رئاسة اأكان الجيش ومديرية الاستعلامات والأمن تشكيل غرفة عمليات أمنية في تيقنتورين يقودها جنرال في المخابرات، وقد تقرر أن يكون مقر غرفة العملية في مطار تيقنتورين من أجل إبعاد عمليات التنصت التي بدأتها الولايات المتحدة الأمريكية على الوحدات العسكرية الجزائرية المشاركة في العملية، وكانت المعلومات المهمة تنقل من القوات التي تحاصر تيقنتورين إلى مطار عين أمناس مع مراسل عسكري، بينما كانت باقي المعلومات تنقل مع مراسل عسكري من أجل تجنب عمليات التنصت قدر الإمكان. الوسيلة الأولى للتجسس على الإرهابيين كانت عن طريق التسلل داخل المنشأة، حيث بدأت وحدة متخصصة من خبراء الاستطلاع العسكري التابعة لمجموعة التدخل جيس في التسلل إلى المنشأة، وقد تنكر بعض عناصرها في زي عمال في شركة النفط، كما بدأت وحدة التنصت التابعة لمديرية الاستعلامات والأمن ووحدات التنصت الميدانية التابعة لقيادة الأركان التي نقلت تجهيزاتها بالجو في التنصت على اتصالات الإرهابيين، حيث تعمدت عدم التشويش على المكالمات الهاتفية حتى الدولية منها للحصول على أكبر قدر من المعلومات، وأهمها تحديد موقع كل متصل داخل منشأة النفط ورسم إحداثيات لتحركات الأشخاص في إطار توفير المعلومات تحضيرا للهجوم، كما بدأت طائرة ”ميغ25” معدلة متخصصة في الاستطلاع والتجسس في مسح منطقة شاسعة تقع في محيط عين أمناس، بالإضافة إلى طلعات استكشافية للحدود الليبية الجزائرية التي كانت كل الأدلة تشير إلى أن الإرهابيين تسللوا عبرها، وقدمت الطائرات صورا جوية شديدة الدقة حول الموقع وانتشار الإرهابيين فيه، كما قدمت طائرات الاستطلاع الروسية صورا لمجموعة إرهابية ثانية كانت موجودة داخل الأراضي الليبية، وهي مجموعة الإسناد الثانية للإرهابيين المحاصرين في الموقع، وشاركت في عمليات التجسس التي نفذتها القوات الجوية الجزائرية أيضا الطائرة المتخصصة في التجسس والتنصت والتقاط الصور ”هيسار بيكرافت” الأمريكية، من أجل تزويد القادة العسكريين الميدانيين بالمعلومات الدقيقة، وخلال 24 ساعة من عملية الاقتحام تقريبا كانت الصورة واضحة جدا حول الأوضاع في الموقع المحاصر وتعداد الإرهابيين المشاركين فيه. ڤايد صالح طلب من القائد الميداني تقييم عدد القتلى المتوقع قبل تنفيذ عملية الاقتحام في مساء 16 جانفي طلب رئيس أركان الجيش الذي كان في اجتماع مغلق ترأسه بوتفليقة مع القادة العسكريين والأمنيين من اللواء قائد الناحية العسكرية الرابعة وهو القائد الميداني الذي عين للإشراف على مجموعة القوات التي تم تشكيلها للتعامل مع الموقف، تقييما أوليا للخسائر البشرية التي كان يمكن أن تنتج عن تدخل القوات الخاصة لتحرير الرهائن وتأمين المنشأة، وتعتمد وحدات التدخل لتحرير الرهائن مبدأ يشير إلى أن الخسائر التي يمكن أن تقع عند تحرير رهائن بالقوة في مواجهة خاطفين يتمتعون بتدريب عسكري جيد تتراوح بين 10 و40%، وهو ما كان يعني أن عدد الرهائن المتوقع سقوطهم في العملية يتراوح بين 80 و300 قتيل، حيث كان عدد الموجودين داخل القاعدة يفوق 900، 130 أجنبي والباقي جزائريون، أما الخسائر بين الأجانب فكان المتوقع أن تكون عالية جدا بسبب أن الإرهابيين عمدوا إلى تفخيخ عدد كبير منهم، وتوقعت تقارير الأمن أن لا يقل عدد القتلى بين الأجانب في حالة الاقتحام بالقوة عن 50، وقد يرتفع العدد في حالة تمكن الإرهابيين من تفجير المنشأة، حيث توصلت وحدة الاستطلاع التابعة لمجموعة جيس التي تسللت للموقع إلى معلومات تؤكد أن الإرهابيين فخخوا أجزاء من المصنع، وكان القرار صعبا حيث توقع مجلس الأمن الأعلى سقوط ما لا يقل عن 100 قتيل بعد انتهاء العملية، وأدرك صانع القرار في الجزائر أن الدول الغربية تراقب عن طريق وسائل التجسس المتطورة لديها الوضع عن كثب، وهو ما يعني تعرض الجزائر لضغوط دبلوماسية شديدة من بعض الدول التي ينتمي إليها الغربيون.الاجتماع الحاسمرغم المعلومات الشحيحة التي توفرت للقيادة الأمنية والعسكرية السياسية حول طبيعة المجموعة الإرهابية التي اقتحمت الموقع، إلا أن المعلومات الميدانية أكدت أن تعدادها يتراوح بين 30 و50 إرهابيا، لكن المعلومة الأهم التي كانت قيادة الجيش بحاجة ماسة إليها في الساعات الأولى هي: هل يملك الإرهابيون صواريخ مضادة للطائرات وما نوعها، وكانت هذه المعلومة ضرورية جدا من أجل تسهيل استعمال الطائرات المروحية الهجومية وطائرات النقل في العملية، وجاء الرد قبل حلول ليلة 16 إلى 17 جانفي، وقد قرر المجلس الأعلى للأمن الوطني في مساء 16 جانفي أن لا مجال للتحاور مع الإرهابيين وأن عليهم تسليم أنفسهم وتحرير الرهائن دون قيد ولا شرط، وسادت حسب مصادر عليمة في مساء 16 جانفي لدى قادة عسكريين وأمنيين قناعة أن الإرهابيين قلدوا عملية مسرح موسكو التي نفذتها جماعة انفصالية شيشانية في مسرح موسكو، وأدت إلى اختطاف مئات الرهائن داخل المسرح عام 2002، وانتهت بتحرير الرهائن من طرف قوات خاصة روسية لكن الحصيلة كانت ثقيلة، وتقرر أن الرد على طريقة الإرهابيين في تقليد الجماعة الشيشانية يقتضي الرد بالأسلوب الروسي لكن بطريقة أكثر إنسانية لإنقاذ أكبر عدد ممكن من الرهائن الجزائريين والغربيين، لكن الفرق بين العمليتين كان أن الرهائن في مسرح موسكو كانوا في موقع مغلق، بينما ينتشر الرهائن الغربيون والجزائريون في مكان مفتوح، كما أن الضغوط الدولية التي يمكن أن تتحملها روسيا لا يمكن للجزائر مواجهتها بسبب طبيعة الدولتين، وكانت القناعة وسط القادة العسكريين هي أنه لا بد من الرد بقوة شديدة على الارهابيين من أجل ايصال رسالة واضحة مفادها أنه لا مجال أبدا للتحاور معهم للإفراج عن رهائن يختطفون في الجزائر.هدية عبد الرحمن النيجيري للجيشأدرك صناع القرار في الجزائر المجتمعون في إطار المجلس الوطني الأعلى للأمن أن طول مدة احتجاز الرهائن لا يخدم الجزائر، وهو ما يرغب الإرهابيون في الحصول عليه لأن طول المدة يعني زيادة الضغوط الدولية على الجزائر لإيجاد حل سلمي مع مجموعة إرهابية دموية، وكان القرار الثاني الهام بعد قرار اقتحام الموقع هو أنه لا بد من التعامل بكل سرعة مع الإرهابيين وتحرير الرهائن في أقصر وقت ممكن، لمنع تكوين رأي عام رافض للتدخل لتحرير الرهائن.لم يتوقف إطلاق النار أبدا بين الإرهابيين وقوات الجيش والدرك في محيط موقع تيقنتورين طيلة يومي 16 و17 جانفي، حيث كانت المجموعة الخاطفة قد أقامت موقعين دفاعيين في شرق وغرب قاعدة الحياة، كما تسلق إرهابيان موقعين عاليين فوق خزانات الغاز لمراقبة تحركات الجيش في محيط القاعدة وكانا يحملان بندقيتي قناصة، وكانت قوات الجيش تتبادل في كل ساعة إطلاق النار وبعض القذائف مع الخاطفين، وكان هدف الإرهابيين هو منع الجيش من تكوين طوقه الأمني حول الموقع ومنع قواته من الاقتراب لتكوين منطقة عازلة مع قوات الجيش، ووقع الاشتباك الأول فجر 16 جانفي عند محاولة الخاطفين اقتحام حافلة نقل مجموعة من العمال الأجانب كانت محمية بقوة من الدرك، وتصدت قوة الدرك التي كان عناصرها دركيين عاديين ببطولة نادرة للمجموعة ومنعوا عملية الاختطاف الأولى، ثم اقتحمت المنشأة بعد ذلك، وفي يوم 17 جانفي وفي تمام الساعة الرابعة مساء تقريبا، بدأ الاشتباك الكبير الأول بين المجموعة الإرهابية والجيش، حيث حولت مجموعة مسلحة تحتمي برهائن يابانيين، وكانت هذه هدية من لمين بشنب وعبد الرحمن النيجيري قائدي العملية للجيش الذي أمر بإنهاء العملية، ذلك أن بدء أي اشتباك عنيف يعطي الجيش مبررا لإنهاء عملية الاحتجاز، بعد أن أمر عبد الرحمن النيجيري مجموعة إرهابية بمحاولة الخروج عنوة من قاعدة تيقنتورين عن طريق سيارات دفع رباعي يركب في كل وحدة منها عدد من الرهائن المفخخين، واعتقد الأميران أن الجيش لن يمتلك الشجاعة لإيقاف هذه السيارة بالقوة، ووقع اختيار الإرهابيين على مجموعة من الرهائن اليابانيين بالإضافة إلى رهينة بريطاني تعمدوا أن يظهر للطائرة المروحية التي كانت تحلق على ارتفاع عال وهو يركب السيارة، حتى يفهم الجيش أن كل الرهائن الموجودين في السيارات من جنسيات غربية، ووقع الاختيار على الرهائن اليابانيين لرغبة عبد الرحمن النيجيري في إبقاء الرهائن البريطانيين والأمريكيين والفرنسيين كورقة تفاوض أخيرة، وكان هذا على الساعة الثالثة بعد ظهر 17 جانفي، وقرر القائد الميداني أنه لا سبيل لترك الإرهابيين يغادرون المكان، وكان الهدف هو إيقاف السيارات دون التعرض للرهائن، وأطلق قناص كان على متن مروحية مساء يوم 17 جانفي النار على سائق السيارة الأولى، فرد الإرهابيون بتوجيه صاروخ أرض جو من نوع ستريلا على الطائرة العمودية، ثم اشتبكت طائرة عمودية ثانية من نوع ”مي28” روسية بواسطة رشاشاتها الثقيلة مع السيارة الثانية، وهنا عمد الإرهابيون إلى تفجير جثث الرهائن اليابانيين، ومنذ ذلك المساء تواصلت العملية العسكرية ضد الإرهابيين، ثم باشرت قوات متخصصة في مكافحة الإرهاب عمليات اقتحام الموقع وتطهيره من الإرهابيين، إلى أن أعلن عن نهاية العملية.    

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: