+ -

عنف النظام الجزائري متفق عليه، ولا داعي للنقاش مرة أخرى حول مستوى هذا العنف، فالعنف يبقى في النهاية عنفا وكفى! غير أن هذا العنف حين ينتقل من العصا إلى القانون، يصبح خطرا على كيان الدولة وعلى مستقبل الشعب الجزائري. لقد سألت بعض القضاة المتمرسين في القضايا الاجتماعية عن فائدة “المنحة” التي تقدمها الحكومة للنساء المطلقات، وأدهشني أن جواب أغلبهم أنها زادت في ظاهرة الطلاق، ولم تنقص من شقاء الأطفال اليتامى، بل ذهب البعض إلى اعتبارها تشجيعا بالنسبة للبطالين على التطليق القانوني والبقاء على الزواج “الشرعي”، لربح مرتب للعيش، وحفظ كرامة أولياء الأطفال.. وهي ظاهرة تستحق العناية والدرس. فإذا كان القانون في حد ذاته يبدو أنه إنساني، وجاء لحماية كرامة المطلقات، خاصة لتوفير العيش لأطفالهن، فإن هذا القانون يعكس تمييزا بين الجنسين، وكأنه يقول لنا إن الرجل “البطال” ليست له كرامة يحميها القانون، وبالتالي مسموح له أن يسرق أو يتسول أو يخضع لأعمال السخرة.. بينما يعطي بعض النساء اللواتي يعانين من بطالة أزواجهن، فرصة للتخلص منهم كي يحظين بمنحة لشراء الخبز والحليب لأطفالهن.. ويبدو الأمر هنا وكأنه منطقي، غير أنه يجانب المنطق في التشجيع على تفكك الأسرة، وربما تشجيع الرذيلة.من جهة أخرى، خرج هذا القانون مرة أخرى عن روح القانون، حيث صدر منذ أسابيع تشريع جديد يدين الرجل الذي يعاكس امرأة في الشارع، بغرامة وسجن وتعزير إلى آخره. وهذا القانون يبدو في ظاهره رحمة، وذلك بادعائه حماية المرأة والذود عن كرامتها حين تخرج إلى الشارع. والواقع أن هذه الظاهرة مستفحلة في الشارع الجزائري، ولكنها لا تعالج بقانون عنيف، مثل هذا بل بتثقيف الطرفين ثقافة اجتماعية للتعايش والاحترام.من حق الرجل في مثل هذه الحالة أن يطالب بدوره بحماية غرائزه وعواطفه من إثارة بعض النساء له، بلباسهن غير المحتشم مثلا أو بتهم لا أساس لها من الصحة!؟ مثلما يطالب بحقه في “منحة” بطالة تحمي كرامته وتوفر له ما يستر به عورته وغرائزه..إن مثل هذه القوانين التي هي في جوهرها سياسية أكثر مما هي تشريعية أو اجتماعية، والتي ينتظر منها ربح أصوات “ناخبات” أكثر مما هي عملية ربح مجتمع منسجم ومحترم وعادل.. ستؤدي في نهاية المطاف إلى المزيد من التوتر والقلق والظلم، في مجتمع لم يترك فيه الإرهاب وعنف النظام السياسي مزيدا من الصبر والتحمل.صحيح أن المجتمع الجزائري يعاني من ظاهرة النساء العازبات، سواء غير متزوجات أو مطلقات، وهي ظاهرة لم تعد فقط مستفحلة، وإنما أصبحت قنبلة اجتماعية، تجب المبادرة العاجلة لمعالجتها. فحسب بعض الإحصاءات غير الرسمية، هناك ما يزيد عن خمسة ملايين امرأة في هذا الوضع غير المريح وغير الطبيعي، ويعيد أخصائيون ذلك إلى التفكك الأسري، والظروف الاجتماعية والاقتصادية التي لا تشجع على الزواج، الخ، غير أن ذلك لا يسمح للمشرع كي يتجرأ على تعقيد ظاهرة اجتماعية من المفروض أنها تعالج بالثقافة والتوعية، وليس بالعصا وزرع الفتن.. من جهتنا، نعتبر أن مثل هذه “القوانين” مجرد تشجيع على التمايز والعنف بين الطرفين، وهي ظلم لطرف على حساب طرف آخر، ولن تؤدي في النهاية سوى لمزيد من الفتن الاجتماعية التي نحن في غنى عنها.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات