38serv

+ -

 صدمت العملية الاستعراضية، التي تبناها تنظيم “داعش” في قلب العاصمة باريس، فرنسا الرسمية وغير الرسمية، ووضعت على الواجهة خلفيات استهداف الدولة التي انخرطت في سياسات اصطفاف إقليمي مست العديد من البلدان العربية والإسلامية، ساهم بعضها في تغيير أنظمة الحكم، على غرار ما حدث في ليبيا أو إضعاف الأنظمة التي تواجه وضعا غير مستقر، مع تنامي نشاط المجموعات الجهادية التي وضعت فرنسا ضمن قائمة أهدافها. فرنسا التي وضعت تنظيمات مسلحة في خانة المجموعات “المعتدلة”، تجد نفسها في مواجهتها في عقر دارها، وهو جعل دمشق توجه رسالة ضمنية لباريس أنها “سبق وحذرت من أن الإرهاب لا حدود له وأنه سيرتد على داعميه”.لقد سجلت فرنسا أكبر وأهم عملية تجاوزت كل ما شهدته منذ أن استهدفت فرنسا بعمليات في السبعينات على يد المجموعات اليسارية ومجموعات لبنانية، على غرار شبكة جورج إبراهيم عبد الله ولجنة دعم السجناء السياسيين العرب سنتي 1985 و1986 التي أدت إلى مقتل 13 شخصا، وقبلها العمليات التي خطط لها راميراز كارلوس في 1974 و1975، ثم العمليات التي تبنتها الجماعة الإسلامية المسلحة “الجيا” في 1995 و1996 في فترة رئاسة جاك شيراك وحكومة آلان جوبي.ولكن عملية باريس بنمطها المتناسق وحصيلتها الكبيرة، أماطت اللثام عن أبعاد جديدة في الصدام بين المجموعات الجهادية التي تبنت واحتضنت باريس بعضها، ودعمتها بطريقة أو بأخرى في ليبيا، حيث ساهمت هذه الأخيرة في الإطاحة بنظام معمر القذافي في 2011، أو في تصنيف مجموعات جهادية بـ«المعتدلة” بسوريا، وهو ما حمل الخارجية السورية، في رد فعلها على عمليات باريس، إلى الإشارة ضمنا إلى تبعات السياسات الفرنسية في المنطقة، رغم كون باريس قد انخرطت في الائتلاف المناوئ لتنظيم “داعش” في العراق وبصورة أقل في سوريا، كما سبق أن ساهمت في عمليات “محاربة الإرهاب” في أفغانستان، وبالتالي، وجدت باريس نفسها في مواجهة التنظيمات المسلحة، على عدة أصعدة، لاسيما مع تطور شبكات التجنيد والتحاق المئات من الفرنسيين بتنظيم “داعش” وقبلها القاعدة، ومتابعة المصالح الاستخباراتية هذه الشبكات، خاصة أن العديد منهم عادوا إلى فرنسا. وقد أبرزت أحداث “الإخوة كواش” وقبلها أحداث “محمد مراح”، تهديدات أمنية جديدة بجيل من الجهاديين ليسوا بالضرورة من أصول مشرقية أو مغاربية.وبينت عملية باريس قدرة مجموعات مسلحة ومدربة على اختراق المنظومة الأمنية والاستعلامية، والتخطيط والتنفيذ لعملية دقيقة ومتسقة، هي الأكبر من نوعها التي تعرفها فرنسا وأوروبا. ففرنسا التي ساهمت في دعم عمليات تغيير الأنظمة في ليبيا وفي التجاذبات التي تعرفها سوريا، ضربت في العمق، في عملية كشفت عن ثغرات في النظام الأمني. وبعد الاستفاقة من الصدمة ستباشر مراجعة عامة على غرار ما قامت به الولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر. وتبقى تبعات تورط السياسات الفرنسية في الحروب في ليبيا وسوريا ومالي واليمن، وإخفاق التعامل مع مسألة تدفق العديد من المقاتلين الذين انضموا إلى تنظيم داعش، يجعل فرنسا من أهم نقاط الاستهداف، سواء من الشبكات النائمة للقاعدة أو داعش، في عمليات منسقة ودقيقة واستعراضية، وتنسيق نطاق عملياتي مخطط له على شكل عمليات خاصة، ورسالة واضحة بأن فرنسا ليست بمنأى من أن تكتوي بنار الحروب التي ساهمت في إشعالها، وبالتالي لن تكون في أمان من تنظيمات نقلت معركتها معها إلى قلب ترابها.500 “مقاتل” فرنسي في صفوف تنظيم “الدولة”سلطت هجمات باريس التي تبناها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، والتي جاءت، حسب “بيان داعش”، ردا على إرسال فرنسا طائراتها إلى سوريا، الأضواء على العلاقة بين فرنسا والتنظيم الإرهابي داعشوكشفت السلطات ووكالات الاستخبارات الفرنسية، قبل فترة، عن تخوفها إزاء التقارير الفرنسية والغربية بوجود أكثر من 500 فرنسي يقاتلون مع تنظيم داعش بسوريا والعراق، في وقت عاد 250 فرنسي مرة أخرى إلى بلادهم، وأن أكثر من 750 آخرين يعربون عن رغبتهم في الانضمام إلى داعش.وقد اعتبرت الخارجية الفرنسية، في تقرير لها، أن تنظيم الدولة يشكل “تهديدا خطيرا لها ولحلفائها” عبر “اتباعه سياسة تجنيد المقاتلين الأجانب”، إلى جانب “دعايته الموجهة نحو مجموعات إرهابية أجنبية، على غرار الإرهابيين الذين اغتالوا في الجزائر مواطننا هيرفي غورديل في 24 سبتمبر 2014”، وكذلك “عبر إطلاقها دعوات تهدد فرنسا ورعاياها عبر العالم”.وإزاء “مكافحة معضلة المقاتلين الأجانب واحتمال عودتهم” إلى فرنسا وبلدانهم الأصلية “التي قد تؤدي إلى أعمال عنيفة”، أكد التقرير الصادر في 3 نوفمبر 2014، أن فرنسا اتخذت عدة تدابير، منها اعتماد خطة لمحاربة التطرف العنيف والشبكات الإرهابية في مارس 2014، وكذلك اعتماد البرلمان ومجلس الشيوخ، في سبتمبر وأكتوبر 2014، مشروع قانون بشأن مكافحة الإرهاب، يتعلق باتخاذ تدابير متعلقة بالمنع الإداري من مغادرة التراب الفرنسي، وبتمجيد الإرهاب، وبتوسيع مفهوم الإرهاب ليشمل الأعمال الإرهابية المنعزلة.كما أشار التقرير إلى مراجعة استراتيجية الاتحاد الأوروبي بشأن مكافحة الإرهاب في جوان 2014، من أجل أخذ ظاهرة المقاتلين الأجانب في عين الاعتبار؛ مع اعتماد المصلحة الأوروبية للعمل الخارجي خطة عمل تحدد المبادرات التي يجب اتخاذها على الصعيد الدبلوماسي، وتسمح بتنسيق أوروبي أفضل، بالإضافة إلى تحركاتها عبر مجلس الأمن الدولي، والمشاركة في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش، وذلك بالضربات الدقيقة لقواعد التنظيم وأهدافه الاقتصادية، من خلال مساعدة المقاتلين العراقيين والسوريين في محاربتهم التنظيم عبر الغارات الجوية، وتوفير التجهيزات العسكرية والتدريب؛ ومنع انتفاع تنظيم داعش من موارده المالية.تجدر الإشارة إلى أن الجيش الفرنسي قام، الإثنين الفارط، بقصف منشأة نفطية تابعة للتنظيم الإرهابي، قرب دير الزور في شرق سوريا، كما أعلنت فرنسا أنها سترسل حاملة الطائرات “شارل ديغول” للمشاركة في العمليات ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وذلك في ختام اجتماع دفاعي مصغر خصص للوضع في سوريا والعراق.عمليات باريس تكشف عن ثغرات أمنية قاتلة كشفت عمليات باريس عن ثغرات أمنية قاتلة، وعن إخفاق مصالح الاستخبارات الفرنسية، سواء المديرية العامة للأمن الخارجي أو مديرية مراقبة الإقليم، في توقع عملية اعتبرت بمثابة إعلان حرب، تجاوزت كل العمليات التي عرفتها فرنسا خلال السنوات الماضية، مخلفة حوالي 130 قتيل وعشرات الجرحى.وتثير عملية باريس العديد من نقاط الظل والتساؤلات حول عدم فعالية التدابير الأمنية المتخذة والتحذيرات المتكررة لمصالح الاستعلامات، آخرها في أكتوبر الماضي، والتي نقلها القاضي المتخصص في مكافحة الإرهاب، مارك تريفيديتش، حول المخاوف من تعرض فرنسا لعمليات واسعة النطاق، على غرار عملية 11 سبتمبر 2011 في الولايات المتحدة. ومن المفارقات أن تتضمن بيانات التبني لتنظيم “داعش” الإشارة إلى “11 سبتمبر فرنسي”. وقد اعتبر تريفيديتش، بناء على تقارير مصالح الاستعلامات، أن فرنسا أضحت الهدف رقم واحد لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، منتقدا هشاشة المنظومة الأمنية التي وصفها بأنها “قابلة للاختراق وضعيفة وتفتقد للفعالية التي كانت تميزها في السابق”.ورغم العديد من المؤشرات السابقة والإنذارات، فإن عملية باريس التي تصنف ضمن أهم اعتداء تتعرض له مدينة أوروبية منذ عقود، وأبرز تهديد لقلب أمن إحدى أكبر الدول الأوروبية وأكثرها تشديدا للتدابير الأمنية، كشفت عن ثغرات أمنية في وقت كانت باريس تفعل مخطط “فيجيبيرات” الأمني، وقد شهدت شهورا من قبل عملية استهدفت مقر جريدة “شارلي إيبدو”.ومن بين الملاحظات المسجلة على خلفية عمليات باريس، تطور الأساليب العملياتية للمجموعة المهاجمة، إذ توحي بأنها عملية مخطط لها من حيث التوقيت واختيار المواقع والتنسيق لضمان أكبر قدر من الخسائر البشرية وأكبر قدر من الصدمة والترويع والصدى الإعلامي، حيث تزامنت مع حدث كروي حضره رسميون فرنسيون، بداية بالرئيس فرانسوا هولاند، وهو ما يفترض وجود ترتيبات أمنية مشددة في المنطقة وحولها، سواء على مستوى ملعب فرنسا أو المواقع الأخرى. ومع ذلك، فإن مجموعات مسلحة مزجت بين عمليات الاقتحام “الكومندو” والعمليات “الانتحارية”، حيث كان معظم العناصر يرتدون متفجرات، وهو ما ضمن صدى إعلاميا واسعا، وتمكنت هذه المجموعات من تخطي الحواجز الأمنية والتسلل واختراق المنظومة الأمنية والاستعلامية، وارتكاب مجزرة في عدة أماكن، متحدية بذلك المنظومة الأمنية التي اعتمدت منذ فترة في إطار عملية “فيجيبيرات” وغيرها، حيث أن العديد من التحذيرات سبقت هذه العملية، فضلا عن تهديدات أطلقتها عدة تنظيمات، وتجسدت سابقا في تبني عملية “شارلي إيبدو” والعمليات المتتالية التي صاحبتها، دون أن تتمكن أجهزة الاستخبارات والأمنية من تفاديها أو الحد منها، ويبدو أن العمليات ساهمت فيها شبكات نائمة بأنماط وأساليب تكيفت مع الإجراءات الأمنية المعمول بها، واستغلت ثغرات في المنظومة الأمنية الفرنسية لتوجيه ضربة ستكون تداعياتها كبيرة لاحقا.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: