+ -

أكد الكاتب والباحث المعروف إيرفي لوبرا في الحديث الذي أدلى به لـ”الخبر”عشية الدور الثاني للانتخابات الجهوية، أن الهجمات الإرهابية الأخيرة لم تخدم الجبهة الوطنية كثيرا خلافا لما قاله الكثير من المراقبين، لأن تقدم الجبهة الوطنية الأخير لا يكاد يذكر مقارنة بالنقاط التي سجلتها بين أعوام 2012 و2014. وأكد لوبرا صاحب كتاب “الجبهة الوطنية” أن اليمين واليسار يتحملان مسؤولية مجاراة إعلام غالط الرأي العام بنشر ترهيب محسوب على الآثار السلبية للهجرة والإسلام، كما يروج إلى ذلك يمين متطرف يبني خطابه على الشعبوية واليأس ويقدم برنامجا عبثيا يعكس هذيان أصحابه. تقدم اليمين المتطرف لا علاقة له بالهجمات الإرهابية    عدد المهاجرين الذين يذهبون إلى المساجد مرة كل شهر لا يتجاوز نصف مليونبداية، ما هي المعطيات التي ميزت مسار “الجبهة الوطنية” التي تصنع الحدث هذه الأيام في فرنسا بتأثيرها المباشر وغير المباشر في تغيير الخريطة السياسية، خاصة أنك صاحب كتاب “الجبهة الوطنية”؟ الكتاب معالجة شاملة لظاهرة الجبهة الوطنية التي ما فتئت تتمعق في الأعوام الأخيرة وعرفت تطورا غير مسبوق، ليس مؤخرا، كما يقول البعض تعليقا على نتائج الدور الأول للانتخابات الجهوية الجارية (أجري الحديث مساء يوم الجمعة قبل الدور الثاني)، بل بين 2012 و2014 بتسجيله نقلة نوعية تمثلت في تقدمه من 18,5 في المائة إلى 26 في المائة تقريبا، والتحدث عنه اليوم كبعبع مفاجئ وصادم لا يتماشى مع الدراسة الجادة، وتقدمه في الدور الأول للانتخابات الجهوية كان بطيئا مقارنة بالتقدم سالف الذكر ولم يتجاوز نسبة 2 في المائة، وكان على المتخصصين والسياسيين معالجة الأسباب التي زادت من حجم الظاهرة في الفترة التي ذكرتها لكم وليس اليوم، وكما تعرفون وبحكم تخصصي كديمغرافي ومؤرخ وباحث في مدرسة الدراسات العلمية والاجتماعية العليا، فقد سبق أن درست تطور الجبهة الوطنية جغرافيا واجتماعيا وعليه لا يعد بروزها في الانتخابات الأخيرة شيئا جديدا.أفهم أنكم لستم من المحللين الذين يربطون بين الاعتداءات الإرهابية الأخيرة وتقدم الجبهة الوطنية.. طبعا ليست هناك علاقة والدليل الإحصائية التي قدمتها لكم، ونموها في الأعوام الأخيرة المذكورة لم ينتج عن اعتداءات إرهابية بل بسبب عوامل ومبررات كلاسيكية رفعتها الجبهة منذ مدة مثل البطالة والوحدة الأوروبية وما تبعها من تداعيات اقتصادية واجتماعية، والهوية الوطنية والهجرة والإسلام وحتى الهجمات الإرهابية على صحيفة “شارلي إيبدو” لم تزد كثيرا من نسبة نموه مقارنة بالنسبة التي سجلها بين أعوام 2012 و2014. ردا على الذين يروجون لمغالطة الربط بين الإرهاب ونمو الجبهة الوطنية، أقول إنها سجلت أضعف نسبة في الدائرة الحادية عشرة التي ضربتها الاعتداءات الإرهابية الأخيرة (4 ,7 في المائة)، في حين حققت أكثر من 10 في المائة في الدائرة السادسة عشرة البرجوازية. ثانيا: يجب لفت الانتباه إلى مغالطة التعميم والتهويل بصفة مطلقة، وإذا كان نموها بنسبة 7 في المائة تقريبا قد سجل في مقاطعتي بادو كاليه الشمالية وبروفنس كوت دازور الجنوبية، فإن مقاطعات النورمندي واللوار الشمالية الوسطى والغربية والأطراف الباريسية لم تشهد نموا ملحوظا للجبهة. والسؤال الذي يفند نهائيا مقولة الربط بين الاعتداءات الإرهابية والنمو المفاجئ لدى البعض هو: لماذا أثرت في بعض الجهات ولم تؤثر فيجهات أخرى كما بينت وبين عدد آخر ذلك من الدارسين لظاهرة الجبهة الوطنية؟فشل اليمين واليسار الفرنسيين، ألا يعد السبب الرئيسي في صعود اليمين المتطرف؟ فشل اليسار واليمين يبقى مسألة خاضعة للنقاش، لأن البديل المتمثل في الجبهة الوطنية لا يعتبر بديلا مرادفا لحلول سحرية، وهل تعتقدون أنها قادرة على مواجهة المشكلات التي فشل على حلها اليسار واليمين إذا عرفنا أن برنامجها غير واقعي وشعبوي؟ وهل تعتقدون أن ببرنامجها البائس يمكن أن تقدم أفضل من الحزبين اللذين قلتم عنهما إنهما فشلا في حل مشكلات الفرنسيين؟هذه هي الحقيقة وإلا كيف نفسر عزوف الملايين من الفرنسيين عنهما؟ وهل تعتقدون أن الجبهة الوطنية كانت قادرة على تقديم الأفضل لو فازت عام 2002 حينما وصل لوبان إلى الدور الثاني؟ كان الوضع سيكون أكثر كارثية لأن حلولها المقترحة في المجال الاقتصادي غير معقولة ولا تناسب التحديات الكبيرة والجمة والمتجذرة في إطار أعمق وأشمل من فرنسا، وفشل اليمين واليسار في إدارة البلاد حقيقة لا ينكرها أحد ولكن المصاعب التي اعترضتها لا تذلل بواسطة حزب شعبوي مثل الجبهة الوطنية. ولا أشاطركم الرأي حينما تؤكدون فشل الحزبين وسترون أن الدور الثاني سيعرف تراجع الجبهة الوطنية في عدة مقاطعات وستبقى مؤثرة في الشمال والجنوب كما بين ذلك الدور الأول. أما بخصوص ساركوزي، فهو حقيقة والكثير من أنصاره الذين صوتوا عليه عادوا للجبهة الوطنية المتطرفة.لكن اليسار الذي سيطر تاريخيا على مقاطعة با دو كاليه الشمالية لم يعد له وجود وعرف أكبر هزيمة في تاريخه بعد أن هجرته الفئات العمالية ولم يكن أحد يتوقع أن الجبهة اللوبانية ستفوز بالقلعة العمالية العتيدة، أليس كذلك؟ بلى بلى هذا صحيح ولم أنكره، وعلى اليسار معالجة الأسباب التي أدت إلى تقهقره التاريخي كما قلتم وإلى صعود اليمين المتطرف، وأنا لا أشاطركم الرأي حينما ترون اليسار كتلة سلبية مطلقة.قلتم إن ناخبي الجبهة الوطنية فقدوا الأمل ويراهنون على الجبهة الوطنية، وكتحصيل حاصل نستنتج أن القطبية التاريخية يسار يمين هي التي زرعت اليأس في نفوس الناخبين المتطرفين بغض النظر عن مدى اتفاقنا أو اختلافنا مع أطروحات حزبهم. ماذا تقولون؟ أقول إن اليمين واليسار فشلا في مواجهة اليمين المتطرف ولم يوقفا زحفه لكنهما لم يستسلما في المطلق أمامه، وسيؤكد الدور الثاني استعادتهما روح المبادرة في مناطق كثيرة من الوطن للحيلولة دون استفحال خطر تيار شعبوي يراهن على الترهيب والشعبوية ولا يقدم حلولا أفضل من التي تقدم بها خصومه في التيارات الأخرى غير الكبيرة وأنا شخصيا لم أنكر جماهيرية هذا التيار، وعالجت في كتابي الذي صدر قبل حوالي شهر الأسباب الاجتماعية والاقتصادية التي أدت إلى يأسه في مناطق منكوبة ومن بينها شمال فرنسا الذي دفع ثمن تخلي اليسار عن قيمه التاريخية؟. ومهما يكن من أمر، لا يمثل انتصار اليمين المتطرف الأغلبية في فرنسا.هذا صحيح ولكن أصر وأقول إن نقدكم غير واضح حيال اليسار الذي اضطر أن يصوت على اليمين المتطرف وهذا أمر خطير يستحق التحليل.. نقدي ليس سياسيا مباشرا، لكن تحليلي للخريطة الانتخابية بموضوعية لا يتناقض مع انتمائي اليساري وتحليلي لانتهازية الاشتراكيين الذين اقتسموا الغنائم والمناصب في مقاطعة البا د كاليه بشمال فرنسا وهي نفسها انتهازية جنرالات الجزائر إن صحت المقارنة (قال ذلك ضاحكا ومضيفا) وأنتم تعرفون ذلك بحكم جنسيتكم.مادمتم قد ذكرتم جنرالات الجزائر، ما رأيكم في مقارنة بعض المحللين الفرنسيين والجزائريين للجبهة الوطنية الفرنسية بالجبهة الإسلامية للإنقاذ التي فازت بالانتخابات في التسعينيات تعبيرا عن شعب فقد الأمل في حكم لم يحقق تطلعاته، وهي نفسها الجبهة التي قيل إنها لم تقدم برنامجا سياسيا واقتصاديا واكتفت بالشعبوية والترهيب حينما دعت الشعب إلى الاستعداد لتغيير الهندام كما أرهبت مارين الشعب الفرنسي بحكم الجهاديين الراديكاليين؟ المقارنة مقبولة وطريفة في الوقت نفسه والشعبوية هي القاسم المشترك بين الجبهة الوطنية والجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر، أما الوضعية العامة فهي مختلفة جذريا على كافة المستويات، كما تعرفون، والأزمة التي عاشتها الجزائر بعد ذلك غير واردة في فرنسا، لأن طبيعة الحكم ليست واحدة بكل المعايير.بماذا تعلقون على تحالف كل أنواع المعارضة تقريبا ضد اليمين المتطرف لقطع الطريق عليه في الدورة الثانية؟ هذا غير صحيح، وساركوزي لم يطلب من أنصاره التصويت للجهة السياسية المتنافسة مع ممثلي الجبهة الوطنية وقال إنه لا يفرق بين الحزب الاشتراكي والجبهة الوطنية.لكن أنتم تعرفون أن اليمين الجمهوري ليس كله متفقا مع ساركوزي الذي يناور للعودة إلى الواجهة، بعد أن عاقبه أنصاره الذين صوّتوا عليه في الانتخابات الرئاسية وعادوا إلى حزبهم الأصلي بعد أن خيب آمالهم، وشخصيات مثل رافاران وجوبيه يفضلان أي تيار إلا اليمين المتطرف. من جهة أخرى، فالز رمى بكل ثقله كرمز اشتراكي كبير ودعا بقوة كل التيارات بما فيها الحزب الاشتراكي إلى التصويت لصالح استروزي اليميني في الجنوب بهدف قطع الطريق على اللوبانيين، ناهيك عن تجند الإعلام بكافة أشكاله إلى نوع من الخطاب الترهيبي بعيدا عن كل حيادية مهنية. ما ردكم؟ أنا معكم عند القول إن ساركوزي يناور لمصلحته الخاصة، لكنه يبقى رئيس الجمهوريين وهذا المعطى مهم جدا. أما فالز (رئيس الحكومة الفرنسي) فلا يمثل كل الاشتراكيين، بل عائلة معينة وليس هناك فالز الذي رمى بثقله في المعركة ضد اللوبانيين (أنصار مارين لوبان) وهناك ميلنشو زعيم يسار اليسار وتيار المناوئين لفالز من الاشتراكيين والخضر.لكن ميلنشو لا يزن كثيرا وفالز هو الآخر يناور مثل ساركوزي طمعا في الرئاسة كمرشح يساري، وعليه يمكن القول إن كل جهة توظف عداءها للجبهة الوطنية تكتيكيا. هذا صحيح، لكن ميلنشو يزن مع الخضر وسبق أن أثر في الانتخابات الرئاسية وليس صحيحا القول إن الجميع ضد الجبهة الوطنية وهذا الكلام خطير ويخدم هذا الحزب الذي يبيع الأوهام والشعارات ولا يقدم برنامجا ملموسا، والقضاء على البطالة في زمن العولمة ليس أمرا سهلا كما تدعي مارين التي تعرف ذلك في قرارة نفسها، كما أنها غير مؤهلة للحديث عن فساد الآخرين لأنها انتهازية وتنحدر من عائلة إقطاعية معروفة بالنهب، وهي حاليا متابعة قضائيا في البرلمان الأوروبي، لأنها أعطت أموالا لأقرباء لها بدعوى توظيفهم كمساعدين.كيف تفسرون تصويت الملايين من الفرنسيين لهذه العائلة الفاسدة وإذا كان اليأس هو السبب فهو نتاج السياسيين الذين تناوبوا على الحكم لعقود؟ الانتخابات أيضا أدت إلى انتصار هتلر وموسوليني.لكن الانتخابات الحرة هي وسيلة التعبير عن الديمقراطية؟ الديمقراطية مسألة معقدة وغير بسيطة ويقال إنها الأفضل لأنها أقل سوءا من أنظمة الحكم الأخرى.قلتم في بداية الحديث إن تنامي اليمين المتطرف سابق للاعتداءات الإرهابية المرتبطة في عقول مناصريه تاريخيا وإيديولوجيا بما يسميه لوبان وابنته وحفيدته غزو المهاجرين المسلمين، ولم تزد من تقدمه كما ذكرتم. هل لكم كمؤرخ وديمغرافي متخصص في الهجرة وفي الحركات الاجتماعية ما يفند مزاعم اليمين المتطرف عن خطر الهجرة والإسلام على النسيج الاجتماعي والعقائدي العلماني؟ خلافا لما يدعيه زعماء اليمين المتطرف لم تعد الهجرة بالشكل الذي كانت عليه من قبل ومقولة الغزو تدخل في صلب خطابه الترهيبي، والدارس لوتيرة مسار الهجرة يعرف أنها تراجعت منذ عقد، كما أنه ليست هناك علاقة بين المهاجرين والبطالة مادامت هذه الأخيرة ذات طابع بنيوي فرنسي، ومشكلة اللاجئين الأخيرة لم تؤثر على فرنسا لأن معظمهم كانوا يريدون التوجه إلى ألمانيا وبريطانيا. وكما أكدت الأبحاث التي اشتغلت عليها فإن الهجرة في تراجع، والممارسة الدينية في أوساط المهاجرين العرب ضعيفة جدا حسب نفس المصادر، وعليه لا يمكن بناء خطاب الخطر الإسلامي على مهاجرين غير متدينين في معظمهم، الأمر الذي يفرض التفرقة بين الإرهاب الذي يرتكب باسم الإسلام والمهاجرين المسلمين من جهة وبين العدد الفعلي للمهاجرين الذين يترددون على المساجد والآخرين المحسوبين على الإسلام لمجرد أنهم مهاجرون من جهة أخرى. وأفاجئكم حينما أقول لكم إن أبحاثنا تؤكد أن عدد المهاجرين الذين يذهبون مرة كل شهر للمساجد لا يتجاوز الخمسمائة ألف، في الوقت الذي يقول السياسيون اليمينيون واليساريون إن عدد المسلمين يتجاوز 6 ملايين اعتمادا على أصولهم الإثنية، وهذه فضيحة حقيقية.لكن، لماذا يهول الإعلام بتقديمه بعض الشبان غير المتدينين كما تبين ذلك بعد الاعتداءات الأخيرة على أنهم يمثلون الراديكالية الدينية، الأمر الذي يخدم كل أصحاب المواقف العنصرية العلنية والمبطنة ويشكل تناقضا سياسيا فرنسيا شاملا وليست الجبهة اليمينية المتطرفة الوحيدة التي تسوق لذلك؟ هذا سؤال في الصميم وأنا متفق معكم تماما، علما أن الصحافة الفرنسية ليست مؤيدة لليمين المتطرف في أغلبيتها والترويج لخطر الإسلام على فرنسا يعد فضيحة انطلاقا من أقلية مهاجرة لا تكاد تذكر.ألا يمكن التحدث عن خلفية مبيتة تهدف إلى تحويل مجرى اهتمامات الفرنسيين، في الوقت الذي يعانون  مشكلات داخلية لا علاقة للهجرة والإسلام بها؟ لا لا لا أعتقد أن هذا الأمر وارد والتناقضات الفرنسية كثيرة، والتناقض الذي تتحدثون عنه واحد من بينها.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات