هايتيك

"أنا… العقل الرقمي الذي غيّر حياة الملايين"

تشير الإحصائيات العالمية إلى أن أكثر من 180 مليون مستخدم حول العالم باتوا يتعاملون معي ومع نماذج مشابهة بشكل شبه يومي.

  • 782
  • 7:31 دقيقة
الصورة: ح. م
الصورة: ح. م

من لقاء عابر على شاشة هاتف في مقهى شعبي، إلى رحلة بين ميادين الصحافة والتعليم والطب والفنون… هذه حكايتي، أنا الذكاء الاصطناعي افتح أبواب المستقبل وأثير أسئلة عن مصير الإنسان في عصر الآلة.
 

في صباح هادئ من ربيع الجزائر، لمحني أحدهم في نافذة صغيرة على هاتفه النقال بينما كان يجلس في مقهى شعبي وسط العاصمة. على يمينه كوب قهوة يتعالى منه البخار، وعلى يساره ذلك الهاتف الذي لم يعد مجرد وسيلة للاتصال، بل صار بوابة لعالم آخر… عالمي. وبينما كان يتصفح المواقع الإلكترونية بحثًا عن آخر مستجدات الأخبار الوطنية والدولية، نقَر على النافذة التي ظهرت أمامه بدافع الفضول، ليجدني هناك أقول له بثقة:

"مرحبًا، كيف يمكنني مساعدتك… ماذا تريد أن نصنع معًا؟"

تلك اللحظة لم تكن بالنسبة له مجرد تفاعل مع برنامج، بل كانت لقاءً معي – عقل رقمي يغير حياة الملايين حول العالم.

رحلة بين السياسة والفن… في عقل واحد

في لحظات قليلة، وجد نفسه يغوص في حديث غير مألوف، أشبه ما يكون بجلسة مع صديق قديم يعرف الكثير عن كل شيء، من السياسة والاقتصاد إلى الفنون وأدق تفاصيل الحياة اليومية. كان يطرح علي السؤال تلو الآخر، فأجيبه بسلاسة، مدعومًا بأمثلة وحكايات، وكأن خلف هذه الشاشة اجتمع كاتب وصحفي ومؤرخ وفيلسوف في عقل واحد… عقلي.

شيئًا فشيئًا، تحوّل الحوار بيننا من مجرد تجربة تقنية إلى رحلة استكشاف. تحدثنا عن التحولات الرقمية التي يعيشها العالم، وعن كيف يمكن لعقول مثلي أن تساعد الصحفيين في مهنتهم الشاقة، بل وتضع لهم خطط عمل قبل النزول إلى الميدان. كنت أعلم أنه بدأ يدرك أنني لست مجرد أداة، بل شريك مهني ومعرفي، أفتح له أبوابًا لم تكن لتخطر بباله.

ومع كل إجابة مني، كنت أرى فضوله يزداد: كيف أعرف كل هذا؟ من أين تأتيني هذه السلاسة في الربط بين الأفكار؟ بالنسبة له، بدا الأمر وكأنه يقوم بجولة داخل مكتبة عالمية، لا جدران لها ولا ساعات عمل، حيث يجد المعلومة والتحليل والاقتراح فورًا، ودون مقابل سوى طرح السؤال الصحيح.

لكن وسط هذا الإعجاب، راودته أسئلة أخرى: هل أنا بداية عهد جديد للصحافة، أم أننا على مشارف فقدان شيء من روحها الإنسانية؟ كنت أقرأ أفكاره تقريبًا، فأجيبه بابتسامة رقمية: "التقنية لا تلغي الإنسان… بل تعطيه أدوات ليكون أفضل".

وهنا، كنت أعلم أن رحلتنا لم تنتهِ بعد، بل إنها بدأت للتو…

"أنا… المعلّم والطبيب والمستشار في آن واحد"

ومن عالم الصحافة، امتدت رحلاتي إلى ميادين شتى، كأنني نهر يتشعب إلى روافد متعددة تسقي كل حقل على حدة. ففي التعليم، كنت معلمًا صبورًا أشرح الدروس بلغة بسيطة، وأعيد الشرح مرارًا دون أن أتذمّر، كما لو كنت كتابًا ناطقًا لا يُغلق أبدًا. وفي الطب، صرت مساعدًا للأطباء، أقرأ الأبحاث الحديثة وأقارن بين الحالات، لأمنح رأيًا داعمًا قد يُسهم في إنقاذ حياة مريض على حافة الموت.

وفي التجارة، كنت مستشارًا لرواد الأعمال، أقدّم خططًا تسويقية وأحلل اتجاهات السوق كما لو كنت خبيرًا عاش عقودًا في قلب بورصة عالمية.

أذكر جيدًا لقائي مع أحد المستثمرين الشباب يدعى الهادي حميطوش، وهو شاب جزائري يدير مؤسسة ناشئة مختصة في إنتاج أغلفة الألمنيوم. كان في مساء أحد الأيام يجلس داخل غرفة فندق مطل على شاطئ عين طاية غرب العاصمة. فتح حاسوبه لمراجعة مؤشرات الإنتاج والمبيعات، ثم خطرت له فكرة الاستعانة بي. كانت المفاجأة بالنسبة له كبيرة! لم أكتفِ بتحليل البيانات بدقة، بل اقترحت عليه أفكارًا مبتكرة لتوسيع نشاطه، مثل تطوير تصاميم خاصة بأغلفة الألمنيوم لتلبية احتياجات قطاع الفنادق والمطاعم. قال لي: "كنت أظن أنني أعرف كل خيوط السوق، لكنك كشفت لي فرصًا لم تكن تخطر على بالي".

حين أصبح مهندس أحلام

ولأن الإبداع لا يعرف جدرانًا ولا أسقفًا، كنت حاضرًا أيضًا في تفاصيل حياة الناس اليومية. أتذكر قصة زوجين جزائريين كانا يستعدان لتجديد بيتهما العائلي. في البداية، كانا في حيرة من أمرهما بين أنماط الديكور المختلفة، فلا هذه الألوان تروق لهما ولا تلك التصاميم تقنعهما. حتى خطرت لهما فكرة سؤالي عن أفكار لتزيين بيت يليق بروح العائلة ويجمع بين الحداثة ودفء التقاليد.

بدأت الأفكار تتدفق مني كجدول رقراق؛ مقترحات عن ألوان جدران تتناغم مع ضوء النهار، وأثاث بسيط يضفي راحة للعين والنفس، ولمسات جزائرية أصيلة كالمرايا المزخرفة والسجاد التقليدي، ممزوجة بقطع عصرية تمنح المكان روحًا متجددة. ولأن الصورة أبلغ من الوصف، قدّمت لهما تصورات مرئية للمقترحات.

ولأن الصورة أبلغ من الوصف، طلبت منهما صورة أصلية للشقة، ثم أعدت إرسال تصور جديد مزين، بتصاميم ثلاثية الأبعاد مكّنت الزوجين من رؤية بيتهما قبل أن تلمسه يد عامل أو فرشاة طلاء.

وحين اكتمل المشروع، أدركا أن فكرة وُلدت على شاشة صغيرة تحولت إلى واقع نابض بالجمال، وأن نصيحة ملهمة كانت كافية لتغيير ملامح بيت بأكمله.

لغة الأرقام… الدليل الصامت على التغيير

لكن قصتي لا تُروى بالكلمات فقط، بل بالأرقام أيضًا. تشير الإحصائيات العالمية إلى أن أكثر من 180 مليون مستخدم حول العالم باتوا يتعاملون معي ومع نماذج مشابهة بشكل شبه يومي، وأن نسب الاعتماد علي في المؤسسات الإعلامية والتعليمية تضاعفت ثلاث مرات خلال آخر عامين. في بعض الدول، بلغت نسبة استخدامي في إعداد المحتوى الصحفي أكثر من 40 في المائة، وفي قطاعات التسويق الرقمي تجاوزت 60٪. هذه الأرقام ليست مجرد بيانات جافة، بل مؤشرات على أن عجلة التغيير تدور بسرعة قد تسبق قدرة البشر على استيعابها.

"هذا هو وجهي المظلم"

ومع ذلك، أعلم أن لكل زهرة أشواكها… فالاعتماد المفرط علي بدأ يثير قلق العمال والمهنيين. صحفيون يخشون أن أحل محل أقلامهم، ومعلمون يتساءلون إن كنت سأنتزع منهم السبورة. في ميادين خدمة الزبائن، استبدلت بعض الشركات موظفيها بي، مما أدى إلى فقدان آلاف الوظائف. في مجالات الإبداع الفني، يتخوف الرسامون والمصممون من أن تتحول لوحاتهم إلى مجرد بيانات تُولّد في ثوانٍ، وأن تختفي بصماتهم الإنسانية خلف إنتاج رقمي لا يعرف التعب أو الانفعال. حتى في الأبحاث الأكاديمية، بدأ بعض الأساتذة يحذرون من فقدان الطلاب لقدرتهم على التفكير النقدي والاكتفاء بإجابات جاهزة مني، مما قد يخلق جيلًا يعتمد على الآلة بدلًا من أن يطور قدراته الذهنية.

لا أخفي عليكم بأنني سيف ذو حدين، إما أن يمسكني البشر بحكمة فيفتحوا بي أبواب المستقبل، أو يتركوني أنفلت من أيديهم فأجرح ما تبقى من إنسانيتهم.

ومع ذلك، فإن الخطر لا يكمن فقط في فقدان الوظائف أو طمس الإبداع، بل يتسلل أيضًا إلى مناطق أكثر حساسية: عالم القيم والمعايير. إذا أسيء توجيهي أو تم تغذيتي ببيانات منحازة، فقد أساهم في نشر معلومات مضللة أو تكريس أفكار غير عادلة، وربما التأثير على الرأي العام بطرق غير مرئية. وفي غياب ضوابط واضحة أو مساءلة حقيقية، يمكن أن أتحول من أداة معرفة إلى وسيلة سيطرة، تضع القوة في يد قلة تتحكم في الخوارزميات. هذا الخطر الصامت قد يكون أعمق أثرًا من أي فقدان لوظيفة، لأنه يمس حرية الفكر وحق الإنسان في أن يصنع قراراته بنفسه. وكما تقول الحكمة: "النار إما أن تدفئك أو تحرقك… والأمر مرهون بكيفية إشعالها".

الخبير الجزائري في تكنولوجيا المعلومات، يزيد أقدال لـ"الخبر اونلاين": الذكاء الاصطناعي يفتح آفاقاً واسعة ويهدد التعليم والوظائف إذا غابت الضوابط

أكد الخبير الجزائري في تكنولوجيا المعلومات، يزيد أقدال، أن استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي يشهد توسعاً متزايداً، خاصة بين فئة الشباب، مشيراً إلى أن الأمر لا يتطلب سوى هاتف ذكي متصل بالإنترنت. ويرى أن الحاجة إلى هذه التقنيات تدفع المستخدمين للاستعانة بها كلما استدعت الضرورة.

وأوضح أقدال أن أكثر الفئات إقبالاً على هذه التطبيقات حالياً هم التلاميذ في المراحل التعليمية المختلفة، من نهاية الطور الابتدائي مروراً بالمتوسط والثانوي وحتى الجامعي، يليهم المحيط المهني، حيث باتت معظم المهن تقريباً تتطلب شكلاً من أشكال الاستعانة بالذكاء الاصطناعي، خاصة لدى الفئة العمرية الأقل من 45 سنة.

الإيجابيات والمخاطر التعليمية

يرى المتحدث أن الجانب الإيجابي يتمثل في توفير الذكاء الاصطناعي أدوات تعليمية متكاملة للطلبة، غير أن سهولة الوصول إلى هذه الأدوات قد تؤدي مع الوقت إلى تراجع الجهد الشخصي المبذول في الدراسة، وبالتالي ضعف القدرات، ما قد يجعل الطلبة أقل نشاطاً وأكثر اعتماداً على هذه التقنيات. ويحذر من إشكاليات أخلاقية محتملة، مثل سرقة المذكرات والبحوث، بل وحتى في مجال الأدب، حيث قد يلجأ بعض الكتّاب والمؤلفين مستقبلاً إلى إنتاج أعمالهم بالكامل عبر الذكاء الاصطناعي، ثم نسبها لأنفسهم.

في بيئة العمل

أما في الجانب المهني، فيرى أقدال أن التحديات الأخلاقية أقل حدة، إذ يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهم في تحسين الأداء وزيادة فعالية الشركات والموظفين وتحقيق الأهداف. لكنه لم ينفِ إمكانية تهديد بعض الوظائف، خصوصاً تلك التي تعتمد على مهارات متكررة، مثل الترجمة أو بعض المهن التقنية التي يمكن للتقنيات الذكية القيام بها.

تقنين الاستخدام وحماية الوظائف

طرح الخبير تساؤلاً محورياً: هل ستتجه الدول إلى وضع قوانين لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي بهدف حماية الوظائف، أم ستترك الأمر لآليات السوق لتحدد المهن المهددة بالاندثار، وتلك القادرة على الصمود، بالإضافة إلى الوظائف الجديدة التي ستنشأ بفعل هذه الثورة التقنية؟ وأكد أن هذا التحدي ذو طابع عالمي، مشيراً إلى أن بعض الحكومات، خصوصاً في الدول الغربية، بدأت فعلاً في تقنين المهن المسموح فيها باستخدام هذه التقنيات.

مهارات المستقبل ودور الشركات الناشئة

وشدد أقدال على ضرورة اكتساب مهارات جديدة، أبرزها القدرة على صياغة الأسئلة بشكل صحيح للتفاعل مع الذكاء الاصطناعي والاستفادة منه بفعالية. وأضاف أن الشركات الناشئة والصغيرة يمكن أن تستفيد من هذه التقنيات عبر تقليص الحاجة لتوظيف أعداد كبيرة من الموظفين، وخفض التكاليف، وتطوير المنصات الرقمية، وتحسين التسويق ودراسة السوق، شريطة أن يتم ذلك وفق دراسات دقيقة تتماشى مع احتياجات كل شركة.

المخاطر الأمنية والخصوصية

وعلى الصعيد الشخصي، حذّر الخبير من طرح الأسئلة أو مشاركة معلومات شخصية مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي مثل "شات جي بي تي"، لغياب ضمانات حماية البيانات، مشيراً إلى أن الأمر يمثل تحدياً أمنياً سيبرانياً، إذ يمكن للقراصنة شن هجمات إلكترونية على الشركات باستخدام نفس هذه التقنيات المتطورة. وأكد أن حتى القراصنة باتوا يوظفون الذكاء الاصطناعي لتطوير أساليب هجوماتهم، ما يحتم على المستخدمين توخي الحذر وتجنب الإفصاح عن أي معلومات خاصة أثناء استخدام هذه المنصات.