الوطن

الإنجليزية في الجزائر والوجع في باريس

يؤكد خبراء أن هذا السلوك يعكس اهتزازا عميقا في النظام السياسي الفرنسي وعجز طبقته الحاكمة، خاصة اليمينية منها.

  • 7157
  • 2:29 دقيقة
الصورة: حمزة كالي "الخبر"
الصورة: حمزة كالي "الخبر"

تشهد الجزائر في السنوات الأخيرة تحولا لغويا متسارعا، تجلى في توسّع استخدام اللغة الإنجليزية، لاسيما في قطاعات التعليم العالي والابتدائي والإدارة العمومية، وبعض الدوائر الحكومية، ووسائل الإعلام. ويصف مراقبون هذا التحول بأنه خيار استراتيجي يعكس رؤية جديدة لمكانة اللغة الإنجليزية، ويجسد ثبات الجزائر على نهج الانفتاح اللغوي المتوازن والمستقل.

وبينما تمضي الجزائر في هذا المسار بخطى ثابتة، يواصل الخطاب السياسي الفرنسي النظر إلى هذه السياسة بعين الوصاية، متجاهلًا أن القرارات السيادية الجزائرية تُتخذ وفق مبدأ الندية والاستقلال الكامل في رسم السياسات التعليمية بكل أطوارها.

ومع استمرار الأزمة السياسية بين الجزائر وباريس، عاد الإعلام الفرنسي إلى الخوض في هذا الملف، حيث تناولته كل من صحيفة "لوموند" وقناة "سي نيوز"، بلغة امتزج فيها القلق بالريبة؛ فقد رأت الوسيلتان الفرنسيتان أن الجزائر شرعت فعليا في تنفيذ سياسة لغوية جديدة تستهدف تقليص الاعتماد على الفرنسية وإحلال الإنجليزية تدريجيا محلها، خصوصا في مجالات العلوم والتكنولوجيا.

وفي تقرير بثته قناة "سي نيوز"، نهاية سبتمبر 2025، تحت عنوان "الجزائر تتخلى عن الفرنسية لصالح الإنجليزية في كليات الطب والصيدلة"، أعربت القناة عن قلقها من أن الجامعات الجزائرية بدأت رسميًا بتدريس الطب بالإنجليزية ابتداءً من الموسم الجامعي 2025-2026، تنفيذًا لتوجيهات حكومية، واعتبرت أن هذه الخطوة تندرج ضمن "مخطط وطني واسع لتحرير التعليم العالي من الهيمنة اللغوية الفرنسية".

ولم يتوقف الانزعاج الفرنسي عند حدود الجامعة، إذ أشارت القناة إلى أن مؤسسات اقتصادية وخدمية جزائرية كبرى، مثل اتصالات الجزائر، والخطوط الجوية الجزائرية، وشركات النقل والكهرباء، بدأت تعتمد العربية والإنجليزية في فواتيرها ووثائقها الرسمية بدل الفرنسية، في ما وصفته بـ "التحول اللغوي المؤسسي التدريجي".

أما صحيفة "لوموند"، فوصفت هذا التحول بأنه "أكثر من مجرد خيار لغوي"، معتبرة إياه يحمل بعدا سياسيا وثقافيا عميقا، يعكس سعي الجزائر إلى ترسيخ استقلالها الرمزي عن الإرث الاستعماري الفرنسي، وفتح آفاق جديدة نحو الفضاء الأنجلوسكسوني، لغة وعلما وتعاونا.

ورغم التحامل الإعلامي والسياسي الفرنسي، يرى خبراء أن التوجه الجزائري ينسجم مع التحولات الجيوسياسية العالمية، ومع رغبة الجزائر في تعزيز موقعها العلمي والاقتصادي ضمن فضاء أوسع من الفرانكوفونية التقليدية المنحصرة في بعض الدول الإفريقية، خاصة أن الإنجليزية أصبحت اليوم لغة البحث والتكنولوجيا والدبلوماسية الدولية.

اللغة وعقدة اليمين الفرنسي تجاه الجزائر

في خضم الأزمة السياسية المتصاعدة بين الجزائر وباريس، التي نفثت فيها الزمرة اليمينة الحاقدة سمومها على الجزائر، تجاوز وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو حدود صلاحياته، حينما خاض في شؤون داخلية جزائرية بحتة، فقد صرّح في حوار سابق مع صحيفة "لوفيغارو" بأن قرار الجزائر ترقية تدريس الإنجليزية في المدارس الابتدائية: "يعبّر عن فتور في العلاقات بين البلدين"، في تصريح وصفه مراقبون بأنه امتداد لعقلية الوصاية الموروثة من زمن الاستعمار.

ويؤكد خبراء أن هذا السلوك يعكس اهتزازا عميقا في النظام السياسي الفرنسي وعجز طبقته الحاكمة، خاصة اليمينية منها، عن تقبل واقع الجزائر التي تتعامل بندية مع مستعمرها السابق. ويرى محللون أيضا أن فرنسا نفسها تشهد تراجعا ملحوظا للغتها داخل حدودها، أمام المد المتزايد للإنجليزية في مجالات التعليم والبحث العلمي والسياحة.

الانتقال التدريجي من الفرنسية إلى الإنجليزية، الذي شرعت فيه الجزائر منذ سنوات، كشف كبرياء بعض النخب الإعلامية والسياسية الفرنسية التي يبدو أنها لم تعد قادرة على استيعاب أن الجزائر اليوم دولة سيدة في قرارها، وفاعلة في تنويع وإعادة تشكيل فضائها الثقافي والتعليمي بعيدا عن الهيمنة اللغوية الفرنسية.