اسلاميات

المقاصد الشرعية لعيد الأضحى

عيد الأضحى المبارك عبادة سنوية سنّها رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة الثانية من الهجرة، إحياء لسنة وملة أبينا إبراهيم عليه السلام.

  • 289
  • 2:51 دقيقة
الدكتور عبدالحق حميش
الدكتور عبدالحق حميش

عيد الأضحى المبارك عبادة سنوية سنّها رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة الثانية من الهجرة، إحياء لسنة وملة أبينا إبراهيم عليه السلام. فعيد الأضحى، دينيا وإنسانيا، مناسبة عظيمة ينبغي أن تحظى بالاهتمام اللائق من قبل المسلمين بمختلف طبقاتهم.

إذا كانت أعياد غير المسلمين، غالبا، مرتبطة بأمور مادية أو دنيوية، كالارتباط ببداية السنة، أو ببعض المناسبات كموسم الزرع أو الحصاد أو نزول المطر أو ما شابه ذلك، فإن الله تعالى شرع للمسلمين عيدين مرتبطين بمناسك تعبدية، يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: ”ما هذان اليومان؟” قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما يوم الأضحى ويوم الفطر”.

هذا ولم تكن هذه الأعياد الشرعية مجرد لهو ولعب وأكل وشرب وزينة فحسب، ولكن لحِكم ومقاصد عظيمة، ومن تلك الحكم والمقاصد أنها شرعت لشكر الله تعالى على نعمه وإحسانه، قال تعالى: {ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون}.
إن الأعياد في الإسلام لا تخرج في الجملة عن باقي الأحكام الشرعية التي شُرِعت للأهداف والمقاصد التي يمكن استشفافها من خلال النصوص الواردة في هذا المجال، وفيما يلي بعض هذه المقاصد التي شُرِع عيد الأضحى لأجلها:

-تقوية الصلة بالحق سبحانه وتعالى، لأن لحم الأضحية لا يصل إلى الله، وإنما تصل إليه تقوى القلوب، وتزكية النفوس، يقول سبحانه: {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}.

-صلة الأرحام، فالعيد فرصة لتقوية هاته الصلات وتلكم العلاقات بين الأقارب من جهة وبين الجيران وأبناء الوطن الواحد من جهة أخرى، بحيث نحسن إليهم، ونتفقد أحوالهم، ونجيب دعوتهم، ونستضيفهم، وأن نعلي من شأنهم، وأن نشاركهم في أفراحهم، ونواسيهم في أتراحهم، قال تعالى: {وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم}.

-تعميق التلاحم بين أفراد الأمة الواحدة، وتوثيق الرابطة الإيمانية، وترسيخ الأخوة الدينية بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: ”المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا”. وإن مشاركة الفقراء في فرحة العيد تهدف إلى تأليف القلوب، وتوثيق روابط المحبة بين أبناء المجتمع، قال تعالى: {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير}. فمن النواحي التربوية الواجب على المسلمين استخلاصها من هذه المناسبة غرس القيم الخُلقية من الجود والكرم والسخاء، ونشر هذه الأنشطة الإيجابية في المجتمع المسلم حتى تستقر في وجدان الناس ومشاعرهم.

-إحياء ذكرى وتضحية أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام: {وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم}.

فمن مقاصد عيد الأضحى تعظيم قدر الأضحية، وتعظيم الاستجابة لأمر الله فيها، وفرح أهل الإيمان برحمة الله وفضله، قال تعالى: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}.

ومن مقاصد مشروعية الأضحية التوسعة على الناس في يوم العيد، ففي ذبح المسلم للأضحية توسعة على نفسه وأهل بيته، وفي الإهداء منها توسعة أيضا على الأصدقاء والأقارب والجيران، وفي التصدق بالبعض الآخر توسعة على الفقراء والمحاويج وإغناء لهم عن السؤال في هذا اليوم. فالأضحية لو نفذت كما يذكر الشرع الحكيم، لصنعت الفرق الواضح في المجتمعات المسلمة وفيما جاورها من مجتمعات.

فلو روعيت المقاصد الشرعية التي من أجلها شرعت، لكان ذلك رحمة بالعباد جميعا الأقارب وغيرهم، وخاصة الفقراء منهم. فهذا الإحسان الذي يأمر به الشرع يقوي الروابط الاجتماعية الذي أصيبت بتصدعات خطيرة وعنيفة في هذه الأزمنة، والتي يؤمن أصحابها بفضائل المال بدل فضائل الأخلاق.

فينبغي للمسلمين أن يحسنوا استغلال هذه المناسبة من أجل تجديد العلاقة مع الله تعالى ومع عباده، والرقي بها إلى المستوى المطلوب، خاصة في هذه الأيام المباركة؛ إذ معلوم أن قيمة العبادة في الإسلام تزداد بحسب المكان والزمان والكيفية التي أديت بها.