العالم

"ماكرون أمام خيارين كلاهما مر"

بعد حجب الثقة من قبل أغلبية نيابية غير المتجانسة تماما حكومة فرانسوا بايرو وقبلها حكومة ميشال بارني، يكون الرئيس ماكرون الذي ستنتهي عهدته خلال سنتين قد استنفد آخر الأوراق التي بيده.

  • 5523
  • 4:39 دقيقة
الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الصورة: لودوفيك ماران، "وأف".
الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الصورة: لودوفيك ماران، "وأف".

يقدم الدكتور عبد القادر حدوش، أستاذ التعليم العالي بمدينة مارسيليا الفرنسية، والبرلماني السابق عن الجالية بفرنسا والناشط السياسي، في حوار مع "الخبر"، قراءة للأزمة السياسية التي تشهدها فرنسا مؤخرا، ودور ووضع رئيس البلد فيها والمخارج الممكنة وتأثيرات ذلك على العلاقة مع الجزائر المتأزمة مند سنة.

 بعد أن صوت أعضاء الجمعية الفرنسية بحجب الثقة على حكومة فرانسوا بايرو، عين الرئيس اميانويل ماكرون وزير الدفاع، سيباستيان لوكورنو وزيرا أول، هل تتوقع أن الأخير قادر على تحقيق الإجماع  وإحداث قطيعة، ليس مع الشكل والأسلوب فقط وإنما مع الجوهر" وفق ما صرح، عند استلامه المهام من سلفه؟

بعد حجب الثقة من قبل أغلبية نيابية غير المتجانسة تماما بل المتناقضة إيديولوجيا ضد حكومة فرانسوا بايرو الوسطي الانتماء وقبلها حكومة ميشال بارني اليميني الانتماء، يكون الرئيس إيمانويل ماكرون الذي ستنتهي عهدته خلال سنتين قد استنفد آخر الأوراق وقد يكون ذلك بالأجل الطويل إذا ما أخذنا في الحسبان شعبيته التي صارت تزداد تقلصا من شهر لآخر وكذلك المشهد السياسي الذي يمكن تصنيفه سياسيا في ثلاث كتل أساسية.

كان من الأجدر على الرئيس ماكرون تعيين شخصية سياسية محسوبة على المعارضة و تحظى بالحد الأدنى من الإجماع، لإنهاء عهدته بحكومة تعايش، تضمن له البقاء إلى غاية 2027، وتقليص حجم الأضرار والأعباء السياسية بالنسبة له على الصعيد الشخصي وكذلك تخفيض المتاعب والأضرار على الساكنة بشكل عام و صورة فرنسا المتضررة كثيرا على الصعيد الخارجي.

 أما تعيين وزير الجيوش سيباستيان لوكورنو وهو أحد المقربين جدا من ماكرون وأحد الوزراء الذين يحظون بثقة كبيرة من قبل بريجيت ماكرون، السيدة الأولى بفرنسا، صاحبة التأثير بشكل أو بآخر على القرارات التي يتخذها زوجها، لا يشوبه أي لبس من الجانب السياسي النظري والدستوري.

 أما من الجانب العملي والواقعي حتى لا أقول الأدبي أو الأخلاقي، يمكن التحفظ عليه وهذا ما عبرت عنه بعض الشخصيات و المنظمات وكذلك الأحزاب السياسية، كادومينيك دوفيلبان أو جون لوك ميلونشون، رئيس حزب "فرنسا الأبية".

 فالوضع معقد سياسيا و إجتماعيا و فرنسا لم تعرف هكذا أزمة منذ بداية خمسينيات القرن الماضي، لذلك الوزير الأول الجديد مطالب بالسرعة في تغيير الأسلوب والمقاربة وكذلك بتقاسم جزء من سلطته التنفيذية، حتى يمكن لحكومته أن تعمر نسبيا .

 كل هذا تزيده تعقيدا الأزمة الإجتماعية و الاقتصادية المتزايدة ناهيك عن الإنقسامات العميقة داخل المجتمع الفرنسي في أكثر من ملف داخليا وخارجيا كموضوع تسيير الملف الأمني و الهجرة غير الشرعية، كذلك الحرب في أوكرانيا والإبادة الجماعية في غزة والتجويع الشامل الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني منذ لا يقل عن سنة و نصف.

 هل تصريحات لوكورنو واقعية وقابلة للتجسيد في ظل برلمان منقسم على ثلاث او أربع كتل متصادمة؟ وما هي المخارج والخيارات الممكنة برأيك ؟

سيباستيان لوكورنو لم يتكلم كثيرا أثناء استلام مهامه وهو معروف بقليل الحديث وشخصية ليست بالقريبة من الإعلام، لكن وإن كان تصريحه مقتضبا إلا أنه يقر بوجوب التكيف وحتمية تغيير المقاربة من حيث الشكل والذهاب إلى غاية القطيعة في الأسلوب و في العمق أو المضمون .. هذا الكلام له دلالة سياسية مهمة لكن رهان تجسيده تتحكم فيه متغيرات مرتبطة بالواقع السياسي القائم والأسماء التي ستكون ضمن تركيبة الحكومة الجديدة والضمانات وكذا التنازلات التي يمكن تعطيها الحكومة الجديدة للشركاء من المجموعات البرلمانية المختلفة وكذلك المنظمات النقابية حتى يتسنى له العمل في جو سياسي غير مشحون و استرجاع قليل من الثقة المفقودة وكسب ثقة الفئات الشعبية والمتوسطة.

 تعكس هذه الوضعية السياسية، عزلة الرئيس إمانويل ماكرون الذي تقلصت كتلته في الجمعية الفرنسية، فهل من المجدي أن يظل يراهن على تغيير الحكومات بهذه الوتيرة؟

ماكرون في وضعية صعبة داخليا وخارجيا لقد خسر الكثير من حلفائه وشعبيته في تدني مستمر وهو الشاب الذي وصل إلى قصر الإليزيه سنة 2017، بإقصاء كل من اليسار واليمين الجمهوري و بإعطاء جرعة كبيرة من الأمل خاصة للفئات الشابة، مقدما صورة على الصعيد الدولي إيجابية على أساس أن النظام السياسي الفرنسي مرن وبإمكان شاب أن يصل إلى سدة الحكم خارج الأطر الحزبية الإيديولوجية التقليدية.

 فبقدر ما أحدث مجيئه إجماعا كبيرات بقدر ما صار اليوم محل شك ورفض من قبل شرائح عريضة وما يزيد من متاعبه حكوماته المتناوبة هو فقدانه للأغلبية البرلمانية وكذلك طبيعة النظام السياسي الذي نصفه رئاسي والأخر برلماني فهو بحاجة إلى أغلبية نيابية أو مُجبر على تقاسم السلطة مع "حكومة تعايش".

 كما أن هناك مصاعب إضافية على الصعيد الأوربي والدولي، إذ تشهد القارة العجوز تحديات أمنية على حدودها من روسيا وبيلاروسيا، وسط مخاوف أوروبية وعدم توافق بين دول و شعوب الإتحاد الأوروبي على نفس المقاربة والخطة.

وزادت عودة دونالد ترمب لسدة البيت الأبيض من وتيرة الأزمة للأوروبيين عامة، مما قلص من الهامش الدبلوماسي الفرنسي الماكروني.

 وعليه، إن لم يتم حلحلة الأزمة في مدة معقولة سيكون ماكرون أمام خيارين أحلاهما مر : إما حل الغرفة السفلى والنتيجة إما أغلبية نسبية لصالح التجمع الوطني أو ثلاث مجموعات كما هو المشهد اليوم أو الخيار الثاني الانسحاب في هدوء والدعوة لرئاسيات مسبقة.

 ⁠ثمة قراءات نظرية في إطار الفلسفة السياسية، تقدم مقاربتين لهذه الوضعية، إحداهما تتناولها على أنها أزمة سياسية عميقة تمثل نهاية الجمهورية الخامسة، بينما يضعها قطاع آخر من المراقبين قي أنها حلقة من حلقات ممارسة الديمقراطية وخاصية إيجابية من خصائص الأنظمة الديمقراطية، ما رأيك؟

 يمكن أن نقدم قراءة إيجابية لمجريات الأحداث على أساس قوة ومصداقية البرلمان كمؤسسة تشريعية وليست غرفة تسجيل فهي تمارس وظيفة المساءلة والرقابة ولها صلاحية حجب الثقة وهي أحد مزايا النظام البرلماني والنظم السياسية الديمقراطية و التعددية.

 هل لهذه التطورات إسقاطات على مسار الأزمة بين الجزائر وباريس، على ضوء احتمال حدوث تغيير لوزير الداخلية، برونو روتايو، بوصفه أهم مغذ للتوتر القائم بين البلدين؟

العلاقات الجزائرية الفرنسية من الجانب الجزائري يجب أن تخضع للمصلحة الوطنية دون غيرها .. فالأساس هو التعاون والتبادل والشراكة الاقتصادية الفعلية على أسس رابح رابح و الندية و الاحترام المتبادل وكذا عدم التدخل في الشأن الداخلي من الجانبين.

 فموضوع الأسماء أو الأشخاص يبقى جد ثانوي مقارنة بحجم المصالح والتحديات المشتركة اليوم وغدا، ثم إن منطق العلاقات الدولية يخضع في عالم اليوم للبراغماتية والمصلحة المشتركة مهما كانت طبيعتهاـ فلا مكان للعاطفة فيها ولا المزايدات السياسوية.

حاوره: محمد الفاتح عثماني