رياضة

ملاعب كرة "الدم"

نهاية موسم مأساوي ومشاهد دم تروي تفاصيل العجز المستمر في جعل ملاعب الجزائر آمنة وكرة القدم ممتعة.

  • 2695
  • 3:18 دقيقة
الصورة: حمزة كالي / "الخبر"
الصورة: حمزة كالي / "الخبر"

كرة القدم أم كرة الدم.. رياضة أُسقِط فيها حرف "القاف" قسرا وتحوّلت اللعبة إلى فاجعة أكثر منها إلى فرجة في ملاعب تجاوزتها معايير الملاعب العالمية الجديدة وغابت عنها "السلامة" بشكل مخيف، حتى أضحت إحالتها على الهدم أقرب لتأمين حياة مرتاديها.

نهاية موسم مأساوي ومشاهد دم تروي تفاصيل العجز المستمر في جعل ملاعب الجزائر آمنة وكرة القدم ممتعة، بل هي مشاهد وجب اليوم أن تستوقفنا لتشريح الوضعية التي تسير بواجهة الكرة الجزائر في ذلك الاتجاه المشين والمسيء لصورتها الجميلة المرتكزة على ملاعب جديدة وجميلة وعلى دعم غير مسبوق من السلطة لتلك الرياضة الجامعة بين كل عشاقها على كثرتهم.

تهاوي مشجعين من نادي مولودية الجزائر، أمس، في مباراة ختام البطولة أمام نجم مڤرة بملعب 5 جويلية 1962 الأولمبي حوّل الأفراح، في رمشة عين، إلى أقراح، وأبدت الصور المتناقلة على نطاق واسع بما لا يدع مجالا للشك بأن أكبر ملعب في الجزائر لم تشمله، على الأقل، عمليات صيانة وتجديد لمرافقه وهياكله، على الأقل في كل أجزائه، خاصة المدرجات التي تستدعي تركيزا في عمليات الصيانة بغرض ضمان أمن وسلامة الجماهير الغفيرة غير القابلة، غالبا، للترويض وهي تتفاعل بقوة فرحا أو خلال الشجار.

ولم يكن ذلك السقوط المميت حدثا منعزلا أو سابقة للملعب الأولمبي، فقد شهد الملعب في وقت سابق تهاوي مشجعين خلال "الكلاسيكو"، غير أنه حادث سرعان ما تم طيه دون التوقف عند الأسباب الحقيقية التي أدت إلى حدوث ثقب على إسمنت مسلح لم يشهد أي تصدعات منذ تشييد المركب قبل نصف قرن من الزمن.

وحتى وإن كان تدافع المشجعين عند نهاية المباراة من أبرز الأسباب التي قادت الكرة الجزائرية إلى فاجعة جديدة، إلا أن التساؤل حول حال سياج المدرجات العلوية المتهاوي بالمشجعين دون مقاومة لقوة الضغط أصبح مشروعا، مثلما يظل التساؤل مشروعا حول الأسباب التي أدت إلى تهاوي مشجعين اثنين قبل مواسم بعد تشقق وانهيار جزء محدد من المدرجات دون سواه.

ليس من حقنا اليوم، ونحن نشيع مشجعين أبرياء، مرة أخرى، إلى مثواهم الأخير، أن نسارع إلى طي صفحة الفاجعة دون الاعتراف بالأسباب الحقيقية التي أدت إليها، ولو استدعى الأمر القول علنا بأن سياسة صيانة الملاعب إما أنها بعيدة عما يجب أن يكون عليه الحال وإما أنها تخضع للأحداث الآنية التي تجعل المسؤول تحت الضغط كلما حلت بنا كارثة، حتى نعزز ذلك الانطباع السائد بأننا لا نعمل بحق وباحترافية وإنما نجتهد فقط لإعطاء الانطباع بأننا نعمل.

وحين نُسلّم جدلا بأن عنف الملاعب يجرّ "قسرا" المشجعين لتحميله جانبا كبيرا من المسؤولية فيه، إلا أن مفهوم السلامة في الملاعب يجعل المشجع ضحية أكثر منه مذنبا، كون الشغف بالكرة والتعصب للنادي يجعل المشجع، وهو في فضاء الملعب، يسلّم أمنه وسلامته للقائمين على أي صرح رياضي، دون أن يشك ولو للحظة في تعرضه لحوادث، أو لنقل أن معايشة متعة الكرة تجعله يغفل أو يتغافل عن احتمال وجود تقصير من المسؤولين على أمن وسلامة المرافق الرياضية، بما يُعرّض حياته للخطر.

فاجعة ملعب 5 جويلية 1962 الأولمبي سرقت منا الفرحة وغيّبت عنّا أبرياء من عشاق الكرة، والحصيلة كانت مرشحة للارتفاع أكثر لولا انتباه وليد معمري، المكلف بالإعلام على مستوى ديوان المركب الأولمبي "محمد بوضياف"، لتواجد مجموعة من الأطفال في نفس المكان الذي تهاوى فيه المشجعون، وقد حرص المسؤول على إبعاد كل الأطفال الذين قدموا إلى الملعب مع مديرية الشباب والرياضة لولاية البليدة، بعدما لاحظ انتشار الشماريخ في المدرجات العلوية، وقرر تجنيب الأطفال أي خطر محتمل، ما دفعه إلى إبعادهم، وما هي إلا 30 ثانية حتى حدث الذي حدث.

ما نحتاجه اليوم يتجاوز بكثير تحديد المسؤوليات وتسليط العقوبات، لأن ذلك يعتبر بمثابة "تحصيل حاصل"، إنما الفاجعة الجديدة تفرض علينا التوقف لفترة من الزمن واستعادة شريط الحوادث الخطيرة داخل الملاعب الجزائرية وكل الآفات المسجلة في كل المباريات السابقة والتي جعلت من ملاعبنا "غير آمنة" بامتياز، سواء تعلق الأمر بتصدع المدرجات والسياج أو بالشجارات بالأسلحة البيضاء بين المشجعين أو باكتساح الشماريخ للمدرجات والإلقاء بها فوق أرضية الميدان وعلى الحضور أو حتى بطريقة دخول المشجعين إلى الملاعب، لأن النظرة الشاملة والصحيحة للنكسات تضمن عدم التقائنا، بعد فترة من الزمن، خلال مباريات كرة "الدم"، من أجل نعي مشجع آخر ضحية ملاعب لم تعُد مؤهّلة سوى للهدم.