شكل عام 2025 محطةً مفصلية في الذاكرة الثقافية الجزائرية، جمعت بين ألم الفراق على رموز فنية كبار، وحرارة العطاء في مشهدين حيويين هما المسرح والكتاب. كان العام شاهدًا على رحيل جيلٍ من المؤسسين الذين نحتوا ملامح الهوية الجزائرية عبر الشاشة، وفي المقابل، شهد انبعاثًا قويًا للمسرح وإقبالًا جماهيريًا غير مسبوق على الكتاب. هذا المقال يتتبع هذا المشهد المزدوج: الحزن على من رحلوا والأمل بما ازدهر.
مثل نجومٍ في سماء الوطن، أضاءوا حياتنا الفنية لعقود، ثم غابوا في عام واحد ليتركوا فراغا يشبه صمت الآلهة. كان عام 2025 عاما قاسيا على الوجدان الجزائري، حيث ودّع ستةً من أبرز رموزه الفنيين الذين رسخوا في الذاكرة الجمعية، من السينما العالمية إلى الكوميديا الشعبية.
أحمد طالب الإبراهيمي.. المفكر والمناضل والوزير
فقدت الجزائر في سنة 2025 أيضا رجلا ومفكرا ومناضلا من طراز رفيع إنه رجل الدولة وزير الخارجية الجزائري الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي، هذه الشخصية التي تركت بصماتها في كيان الأمة وكيف لا وهو نجل أحد أعلام الفكر والإصلاح في البلاد الشيخ البشير الإبراهيمي.
شغل الراحل أحمد طالب الإبراهيمي حقائب وزارية عدة خلال حكم الرئيس هواري بومدين (1965- 1978) والرئيس الشاذلي بن جديد. وقبل هذا كان مناضلا في صفوف الحركة الوطنية ضد الاستعمار، وقضى أربع سنوات في السجن بفرنسا (1957- 1961)، حيث تم اعتقاله بسبب نشاطه ضمن فيدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا. وبعد الاستقلال شارك في بناء الجزائر المستقلة.
محمد لخضر حمينة: حامل السعفة إلى الجزائر
رحل الرجل الذي جعل العالم يرى الثورة الجزائرية من خلال عيون فنان ملتزم. لم يكن مخرجًا عاديًا، بل كان سفيرًا للسينما الجزائرية إلى العالمية. وهو المخرج العربي والإفريقي الوحيد الفائز بالسعفة الذهبية في مهرجان "كان" عن فيلمه "وقائع سنوات الجمر" (1975). ترك إرثًا سينمائيًا هامًا (كـ"ريح الأوراس") وساهم في تعريف العالم بالثورة الجزائرية. نعاه الرئيس تبون واصفًا إياه بـ"عملاق السينما" و"المجاهد الأبي".
عبد المجيد سلامنة... مؤرخ الشاشة الصغيرة
بينما سرد حمينة الثورة للعالم، تخصص سلامنة في سرد تاريخ الأمة للجزائريين أنفسهم عبر الأعمال التلفزيونية، ليكون حارسًا للذاكرة الوطنية. اشتهر المخرج التلفزيوني الراحل بأعماله التاريخية الملتزمة التي تجسد أمجاد الجزائر، وأثرت بشكل عميق في الذاكرة الوطنية.
فوزي صايشي... أدوار راسخة في التاريخ
إلى جانب العمالقة، رحلت وجوه عزيزة دخلت كل بيت جزائري، من خلال الكوميديا والأدوار الاجتماعية المؤثرة، تاركة حزنًا شعبيًا عميقا. وهم الفنان الكوميدي فوزي صايشي "رميمز" الذي رحل تاركا إرثا فنّيا زاخرا وأدوارا رسخت في ذاكرة المشاهد الجزائري.
حمزة فغولي... نجم السينما والتلفزيون
كما غادرنا الفنان حمزة فغولي "ماما مسعودة" وقد اشتهر الفقيد بشخصية "قويدر الزدام" وهو دور فكاهي رائع أداه في فيلم "الطاكسي المخفي" (1989) لبن عمر بختي، كما شارك في أفلام سينمائية أخرى على غرار "شرف القبيلة" (1993) لمحمود زموري و"موريتوري" (2007) لعكاشة تويتة وغيرها، وفي أعمال تلفزيونية منها مسلسل "كيد الزمن"، "دار الجيران"، سلسلة "بوضو" و"قهوة ميمون".
مدني نعمون.. محطات خالدة و"عاشور العاشر" أجملها
كما فقدت الجزائر في 2025 الفنان والممثل القدير مدني نعمون "عمي برهان"، الفنان المبدع الذي كان متعطشا للمسرح منذ الصغر، كما شارك في تقديم برامج الأطفال عبر الإذاعة. عرف الممثل نعمون باسم "عمي برهان" في سلسلة عاشور العاشر التي أخرجها جعفر قاسم. ويملك سجلا ثريا وإسهامات قيمة في الساحة الفنية الجزائرية، خصوصا في مجالي المسرح والتلفزيون.
وردة أمال.... تميزت في الأفلام التاريخية والاجتماعية
كما رحلت الفنانة المخضرمة عودة صدوقي "وردة آمال"، وتعد واحدة من أبرز الوجوه في الساحة السينمائية والتلفزيونية الجزائرية، إذ قدمت منذ سبعينيات القرن الماضي أعمالا خالدة في مختلف الأنواع الدرامية، وشاركت إلى جانب كبار المخرجين والممثلين، كما ظهرت في عدد من السكاتشات إلى جانب نجوم الكوميديا، من بينهم حسن الحسني "بوبڤرة".
وشملت مسيرتها عددا من الأعمال البارزة في السينما والتلفزيون، التاريخية والاجتماعية، منها "أبناء نوفمبر" (1975) لموسى حداد، "المحاولة الكبرى" (1982) لجمال فزاز، "حسان طاكسي" (1982) لمحمد سليم رياض، و"سامية وأبوها" (1985) لمصطفى بديع، كما شاركت في مسلسلات على غرار "المصير" لجمال فزاز.
وبرزت الراحلة لدى الجمهور الجزائري خصوصا في أدوار الأم التي جسدتها بإتقان لافت، على غرار دورها كأم للفتى مراد بن صافي في فيلم "أبناء نوفمبر"، ودور والدة "سامية" في الفيلم الاجتماعي الكوميدي "سامية وأبوها".
بيونة.. نجمة الكوميديا بلا منازع
كما غادرتنا قبل أيام نجمة الكوميديا الجريئة باية بوزار "بيونة"، بعد صراع مع المرض، ولم تكن بيونة فنانة نمطية؛ حيث إنها تحدّت الصورة التقليدية للمرأة على الشاشة، واشتغلت في التمثيل والغناء والرقص والكوميديا الساخرة لتُثبت حضورها كصوت نسائي حر لا يخشى الجرأة.
شاركت الراحلة بيونة في سلسلة من الأفلام البارزة مثل "الجار"، "فيفا لالجيري"، "ديليس بالوما"، حيث أدّت دور مدام الجزائر، المصدر النسوة، شيبة لويزا، الإخوة الثلاثة، في عمري ما زال نتخبّي باش ندخّن، شرطي بيلفيل".
ومن الدار الكبيرة إلى ناس ملاح سيتي وعايشة ونسيبتي لعزيزة ودار البهجة ومليونير، ظلّت بيونة جزءًا من تفاصيل حياة الجزائريين، تظهر في مسلسلاتهم المفضلة، وتؤنس أمسياتهم بضحكتها وجرأتها، كانت أيقونة شعبية قريبة من الجزائري البسيط.
كان الظهور الأخير لأيقونة الكوميديا الجزائرية في سلسلة "دار لفشوش" عام 2023، لتدخل بعدها في صراع مع المرض مع بعض الإطلالات على مواقع التواصل الاجتماعي لطمأنة محبّيها حول حالتها الصحّية، خاصة أنها كانت في العديد من المرات ضحّية لشائعات حول وفاتها، لكن الخبر الذي نزل في عواجل القنوات يوم الثلاثاء، لم يكن إشاعة بل نباُ رحيل أيقونة شعبية جزائرية خالصة.
بادي لالة... صوت الجنوب العريق
كما خسرت الجزائر في سنة 2025 الفنانة القديرة بادي لالة عميدة فن التيندي. وتعتبر الفنانة الراحلة، واسمها الكامل بادي لالة بنت سالم، وهي من مواليد 1937 بعين ڤزام بجنوب تمنراست، عميدة وسفيرة فن التيندي، إذ عملت خلال سنوات طويلة على التعريف وإثراء العالم الموسيقي التارڤي بشعرها الذي تجمعه منذ سن العاشرة متأثرة بوالدتها.
وبعد انطلاقتها الاحترافية في الستينيات أسست الفقيدة في 1990 جمعية "إساكتا" (تذكار) قبل أن تؤدي جولات فنية بالعديد من البلدان الأوروبية رفقة حوالي 15 من فناني وفنانات هذه الفرقة، وقد قامت بادي لالة منذ ذلك الحين بالتعاون مع الموسيقيين الشباب الطوارق من مختلف بلدان منطقة الساحل ما جعلها بحق الأم الروحية لكل طوارق المنطقة.
وأصدرت الراحلة في 2017 أول ألبوم لها يحمل اسمها عادت من خلاله إلى العالم الموسيقي والشعري لمنطقة الأهڤار في كل تجلياته وثرائه التقليدي والعصري ميّزه خصوصا التنوع في الألحان والإيقاعات.
نوبلي فاضل... الملحن والموسيقار الكبير
كما غادرنا قبل أيام الفنان الموسيقار والملحن نوبلي فاضل، عن عمر ناهز الـ74 عاما، ويعتبر الراحل نوبلي فاضل من أبرز وجوه الفن والموسيقى والثقافة في الجزائر وفي العالم العربي، حيث اشتهر بعزفه الجميل على آلة العود وتعامله مع عدة فنانين معروفين وشعراء جزائريين وعرب كبار، منهم محمد راشدي وسلوى، وحميدو وفلة عبابسة وحسيبة عمروش والفنان العربي الكبير وديع الصافي وميادة الحناوي ومحمد الحلو ولطفي بوشناق، وزياد غرسة وآخرون.
كما برز فنه الإبداعي في تأليف موسيقى أفلام تلفزيونية وسينمائية جزائرية وتحصل على عدة جوائز. وحظي الفقيد بتكريم لمساره الفني والإبداعي سنة 2016 من طرف الجمعية الثقافية نسيم الصباح لشرشال في ختام الليالي السادسة للموسيقى الأندلسية.
التعليقات
شارك تسجيل الدخول
الخروج
التعليقات مغلقة لهذا المقال