العالم

هل تشهد السياسة الأمريكية تجاه إيران تحولاً؟

شهدت العلاقات بين البلدين تجاذبات وجولات متعددة من المفاوضات.

  • 649
  • 3:30 دقيقة
الصورة: ح.م
الصورة: ح.م

كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن البيت الأبيض أصدر توجيهاً بتعليق فرض عقوبات جديدة على إيران، في خطوة قد تشير إلى تحوّل في سياسة الضغوط القصوى التي انتهجتها إدارة الرئيس دونالد ترامب. وتأتي هذه الخطوة قبيل جولة جديدة من المفاوضات بين الطرفين، وسط تعقيدات تتعلق بالبرنامجين النووي والصاروخي الإيراني.

واتبعت إدارة ترامب سياسة "الاحتواء" تجاه إيران، معتبرة إياها "دولة مارقة" بسبب برامجها النووية والصاروخية ودعمها لجماعات إقليمية. وتمثل ذلك في الانسحاب من الاتفاق النووي (JCPOA) عام 2018، وفرض حزمة عقوبات اقتصادية قاسية، مستهدفة قطاعات النفط والبنوك والصناعات العسكرية، وتصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية، لكن التقارير الأخيرة تشير إلى أن واشنطن قد تبطئ وتيرة العقوبات، ربما لتمهيد الطريق أمام مفاوضات جديدة.

إيران والملف النووي: إصرار على التخصيب ورفض التنازل

وفي سياق الرؤية الإيرانية؛ أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن بلاده لن تتخلى عن تخصيب اليورانيوم، معتبراً ذلك حقاً مشروعاً بموجب معاهدة عدم الانتشار النووي (NPT). كما هاجم الكيان الصهيوني لامتلاكه أسلحة نووية، معتمدة على مقاربة أو سياسة (الغموض النووي) (Nuclear Ambiguity Policy)، المعروفة أيضًا باسم "التلميح دون إقرار"، وهي إستراتيجية يتبعها الكيان منذ ستينيات القرن العشرين بشأن امتلاكها للأسلحة النووية، بينما تواجه إيران ضغوطاً دولية.

وأشار عراقجي إلى أن طهران مستعدة للتفاوض، لكن ليس على حساب حقوقها النووية السلمية، قائلاً "إذا كان الهدف حرمان إيران من أنشطتها السلمية، فلن يكون هناك اتفاق".

وشهدت العلاقات بين البلدين تجاذبات وجولات متعددة من المفاوضات، منها المحادثات غير المباشرة في فيين، بوساطة أوروبية، والتبادل الدبلوماسي عبر رسائل مكتوبة بين واشنطن وطهران، والتصعيد عبر فرض عقوبات مقابل تهديدات إيرانية بتفعيل "سناب باك"، لكن الخلافات لا تزال قائمة، خاصة حول مدى التزام إيران بتخفيض تخصيب اليورانيوم، والبرنامج الصاروخي الإيراني ودوره الإقليمي، ورفع العقوبات الاقتصادية مقابل ضمانات نووية

وتبرز عبر التجاذبات القائمة انعكاسات إقليمية ودولية، حيث تسعى أوروبا لإحياء الاتفاق النووي، لكنها تواجه تحديات بسبب الموقف الأمريكي المتشدد، بينما يعارض الكيان أي تخفيف للعقوبات ويشن حملات ضد البرنامج النووي الإيراني. وتبدي الدول الخليجية قلقا من تطورات البرنامج الصاروخي الإيراني وتأثيره على الأمن الإقليمي.

بينما يبدو أن واشنطن تبطئ خطواتها في فرض عقوبات جديدة، فإنها لم تتراجع عن إستراتيجيتها الأساسية في الضغط على إيران. وفي المقابل، ترفض طهران أي تفاوض يُفرض عليها شروطاً مجحفة، مما يبقي الأفق السياسي غامضاً بين احتمالات التصعيد أو التفاوض.

الإستراتيجية الأمريكية تجاه إيران بين الاحتواء، المواجهة غير المباشرة، والتجاذبات الجيوسياسية

تتبنى الولايات المتحدة سياسة متعددة الأوجه تجاه إيران، تتراوح بين العقوبات القصوى، لاسيما مع إدارة الرئيس ترامب والمفاوضات النووية، وفقًا للتحولات السياسية في واشنطن والأجواء الإقليمية. وتتمحور الإستراتيجية حول منع إيران من امتلاك سلاح نووي عبر الضغوط الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية، ومواجهة النفوذ الإقليمي الإيراني في العراق وسوريا واليمن ولبنان، ودعم حلفاء أمريكا في المنطقة لموازنة القوة الإيرانية.

وتلجأ واشنطن إلى عدد من الأدوات، بداية بالعقوبات الاقتصادية، من خلال حظر النفط الإيراني وحرمان طهران من عائدات تصدير الطاقة، وعزل القطاع المالي من خلال منع إيران من الوصول للنظام المالي الدولي (مثل عقوبات "SWIFT")، وتجميد أصول شخصيات وعسكريين مرتبطين بـ "الحرس الثوري" وبرنامج الصواريخ الباليستية.

كما أن توظيف ضغوط عسكرية من خلال تعزيز الوجود العسكري في الخليج ونشر حاملات طائرات وقواعد في المنطقة، وحتى الاغتيالات الاستهدافیة (مثل قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني عام 2020)، والتنسيق مع الكيان لاستهداف المنشآت النووية الإيرانية (كما في الهجمات على منشآت نطنز).

وتباينت التوجهات الأمريكية حيال طهران، فقد وقعت على اتفاقية JCPOA" في 2015" خلال عهد الرئيس باراك أوباما، التي رفعَت بعض العقوبات مقابل تقييد البرنامج النووي الإيراني، ثم جاء انسحاب دونالد ترامب في عهدته الأولى من الاتفاق (2018) وإعادة العقوبات تحت شعار "الضغط الأقصى". وتجرى محادثات فيينا (2021-2023) على أساس محاولة إدارة بايدن لإحياء الاتفاق، لكنها تعثرت بسبب اشتراطات جديدة (مثل تضمين الصواريخ الباليستية ودور الحرس الثوري).

وفيما توصف إيران بقوة جهوية إقليمية، توظف جملة من الأدوات سواء عبر شبكة تحالفات قائمة على قوى موالية أو مقربة، وعلى برنامج تطوير تسليحي، وشبكة تحالفات، لاسيما مع روسيا والصين وكوريا الشمالية، لكسر العزلة؛ فإن توجهات السياسة الأمريكية تستهدف إضعاف الاقتصاد الإيراني (تراجع العملة بنسبة 80% منذ 2018)، وإعاقة وكسر حلقة تمويل ودعم القوى القريبة، ولم تحقق واشنطن نتائج فيما يخص وقف تخصيب اليورانيوم، وتحييد البرنامج الصاروخي، وكسر تعزيز التحالف الإيراني-الصيني-الروسي (مثل صفقات الأسلحة مع موسكو).

وتظل الإستراتيجية الأمريكية تجاه إيران خليطًا من العقوبات والاحتواء والمفاوضات، لكنها تواجه تحديات بسبب صعود تحالفات إيرانية مع روسيا والصين، وتصاعد القدرات الإيرانية. ولا يقتصر الصراع حول البرنامج النووي، بل حول التموقعات الإقليمية في الشرق الأوسط، مما يجعله أحد أكثر الملفات تعقيدًا في السياسة الدولية.