الوطن

لماذا تتكرر الحملات الدعائية ضد الجزائر؟

الجزائر تشهد موجات دعاية مغرضة تستهدف ضرب صورتها الدبلوماسية.

  • 13419
  • 3:39 دقيقة
الصورة: توفيق دودو، وكالة "أ.ب"
الصورة: توفيق دودو، وكالة "أ.ب"

تشهد الجزائر موجات دعاية مغرضة تستهدف ضرب صورتها الدبلوماسية، من خلال الترويج لمزاعم وجود جزائريين يقاتلون في ساحات نزاع متعددة أو دعم الحكومة لفصيل دون آخر، في إستراتيجية محكمة لتشويه صورة الجزائر كدولة تحرص على الحياد وعدم التدخل في شؤون الآخرين، وهو مبدأ ثابت في سياستها الخارجية منذ الاستقلال.

غالبا ما تتزامن الحملات مع مواقف دبلوماسية حاسمة تتخذها الجزائر، سواء في ملف دعم فلسطين أو في رفض التطبيع أو حتى في تمسكها بخيار عدم الانحياز في الصراعات الدولية، وفور كل موقف واضح للجزائر تنبثق فجأة تقارير غامضة تتحدث عن "تورط جزائري" في نزاع معين أو "مقاتلين جزائريين" في صفوف أحد الأطراف المتنازعة، دون أن تقدّم هذه التقارير أدلة ملموسة، بل تعتمد على صور مفبركة أو شهادات مفترضة تنقلها حسابات إلكترونية مشبوهة أو تصريحات لعملاء وخونة .

يقول أستاذ الإعلام والاتصال حكيم بوغرارة إن الاتهامات الموجهة إلى الجزائر تدخل في سياق تحالفات غير معلنة لقوى شر تقلقها مواقف الجزائر في مختلف الملفات والأزمات، موضحا في تصريح لـ"الخبر" أن الجزائر تعرف خلفيات القضايا وأسباب اندلاع الأزمات وترفض الابتزاز والاختراقات والتدخلات الأجنبية لمصالح ضيقة، خصوصا ما تعلق بجوارها أو امتدادها الإفريقي والعربي والمتوسطي، من خلال نظرتها الاستشرافية لتطورات القضايا والملفات.

من الأمثلة الصارخة على هذه الإشاعات، اتهام الجزائر خلال الثورة الليبية عام 2011 بدعم نظام القذافي، من خلال السماح بدخول الإمدادات العسكرية والمرتزقة عبر أراضيها. وفي سياق متصل قال بوغرارة إن "الاتهامات المتعلقة بتواجد جزائري في ليبيا نابع من محاولة بعض أطراف الداخل الممولة من أعداء الجزائر الترويج للأكاذيب ومحاولة تعليق شماعة الفشل على الجزائر لإطالة أمد الأزمة والتغطية على الدول التي تعرقل حقيقة تجسيد المسار السياسي وجعلها تتفرغ لنهب الغاز والنفط".

وفي الملف السوري لفت الدكتور بوغرارة إلى محاولة النظام المخزني ربط عودة علاقاته مع دمشق بطرد جبهة البوليساريو، فكان الرد قاصما من الإعلام السوري الذي مرغ أنف المخزن في التراب برده أن مكاتب البوليساريو أغلقت قبل 2002 في موقف مشرف للإعلام السوري. وتابع قائلا: "لم نقف في الملف السوري على أي تضامن مع دمشق في ظل الاختراقات والاعتداءات الصهيونية عدا الجزائر التي تدافع في مجلس الأمن بكل قوة عن سيادة ووحدة سوريا وهو ما يزعج الساكتين عن العدو الصهيوني ولهذا نجد الجزائر مستهدفة "بسرديات متكررة".

وفي الملف النووي الإيراني قال المتحدث إنه "بعد عودة العلاقات مع طهران في سنة 2000 وجه كثيرون اللوم إلى الجزائر ودعوها للتخلي عن محور طهران ولكن ثباتها جعل العرب يشكلون في قمة الجزائر لجامعة الدول العربية لجنة لدراسة العلاقات مع طهران، أفضت فيما بعد إلى إعادة التطبيع بين إيران ودول عربية أخرى رغم محاولات استعداء الجزائر". وشدد المتحدث على أن "الجميع تأكد اليوم أن ما تجلبه الجزائر بالدبلوماسية والصبر الاستراتيجي يتجاوز الخيانة والتطبيع والتنازلات السيادية وهو ما ترفضه الجزائر".

وفي سياق متصل قال الدكتور بوغرارة إن الحديث عن ضبط ضباط جزائريين في إيران حرب دعائية لبعض العواصم الشيطانية، لها أبعاد تحريضية ضد الجزائر، ويظهر، حسبه، أن المخزن والصهاينة والإمارات وراء هذه الأكاذيب للانتقام من الجزائر ومحاولة جر واشنطن لاستعدائها.

وذكر بوغرارة في السياق: "كيف سمح المخزن للجيش الصهيوني بالتهجم على الجزائر من الرباط لتعاملها مع إيران، ولكن الجزائر كانت متفطنة للخطة الصهيومخزنية منذ 2017، تاريخ عودة المخزن إلى الاتحاد الإفريقي، متبنيا شيطنة الجزائر والصحراء الغربية بتعاملهما مع إيران لدعم طروحات وأكاذيب الصهاينة حول طهران ومن جهة أخرى لتأليب الأفارقة على الصحراء الغربية والجزائر وإيجاد مبررات لتبني الطموحات المغربية الوهمية". 

وتابع: "نفس الأمر عشناه في مالي ومنطقة الساحل من خلال تحالف الانقلابيين بأموال خليجية شيطانية، الذين فشلوا في خطط تعزيز حزام النار ضد الجزائر وعملهم على إبعاد اتفاق الجزائر كمسار للتسوية السياسية وفتح المجال للفوضى بجلب دول أجنبية داعمة للانقلابيين، التي اختارت نهب ثروات منطقة الساحل على حساب الشعوب وفوق ذلك حاولوا إلصاق صفة الإرهاب بكل من يرفض الانقلابيين المغلفين بالحماية الخارجية".

نفس الأمر ينطبق على اتهامات بتواجد جزائريين يقاتلون مع أوكرانيا وبأن الجزائر تساهم من تمكين أوكرانيا في تزويد الأزواد بالسلاح.

مساع دبلوماسية

اللافت أن تكرار هذه الادعاءات يترافق دائما مع تحركات دبلوماسية جزائرية قوية، خاصة تلك التي تزعج قوى إقليمية أو دولية حين ترفض الجزائر الاصطفاف في معسكرات إقليمية أو حين تقود وساطات لتقريب وجهات النظر كما حصل في أزمة النيجر أو في ملف مالي، فتتكاثر الاتهامات التي تسعى إلى إرباك سياستها الخارجية وتشويه صورتها لدى الرأي العام الإقليمي والدولي.

وتستهدف هذه الدعاية الجزائر لعدة أسباب أولها محاولة كسر خطابها السياسي المستقل، وثانيها تحجيم دورها الإقليمي المتصاعد، وثالثها بثّ الشك داخل المجتمع الجزائري بشأن صدق سياسة بلاده الخارجية من خلال الترويج لفكرة أن الجزائر تورط شبابها في صراعات خارجية، يراد بها ضرب الثقة بين الشعب والدولة، والإيحاء بوجود ازدواجية بين ما تعلنه الجزائر رسميا وما تفعله سرا لكن الواقع يكذب هذه الادعاءات.