الأسواق في رمضان .. مسرح في الهواء الطلق

+ -

إذا أردت الاستمتاع بعرض مسرحي في الهواء الطلق، ينسيك “مدرسة المشاغبين” وأشهر المسرحيات الكوميدية، فما عليك إلا التوجه إلى الأسواق في رمضان، لتستمتع بعرض “خاص جدا” يتكرر مرة فقط في السنة بممثلين هواة، لكن بمؤهلات فنية يستحقون عليها الأوسكار عنوانها “دوخة الصيام”.المشهد الأول.. بقدونس أو باقة ورد؟يقف الشاب الثلاثيني قرب طاولة بيع البقدونس والكسبرة، بسوق ميسوني في العاصمة، يتأمل محتوياتها، يسأله البائع عن مراده، فيرد “بعقلك راني نخير”، يحمل “ربطة الحشيشة” يشمّها ثم يضعها جانبا، يحمل أخرى يشمها أيضا ويمنحها للبائع قائلا “سآخذ هذه”  ينتقل إلى البقدونس والسبانخ ثم الرند، ومثلما فعل مع الكسبرة، راح يشم كل “ربطة” لدقائق، قبل أن يقاطعه البائع “خونا راك تشم فالورد؟” فيضع كل ما كان يحمل وينصرف منفعلا.يعلق البائع “الله يهدينا ويصبرنا”، فيما تتبادل الزبونات الضحكات، فتقول إحداهن مخاطبة البائع “اصبر يا ابني على الزبائن في رمضان، شويّة من عندكم وشويّة من عندنا، تعرف أن رمضان شهر الوحم”، ليرد البائع “لكن للصبر حدود يا يما”.المشهد الثاني.. الطماطم والكرزغير بعيد عن بائع “الحشيش والمعدنوس”، يعرض بائع الخضر والفواكه في نفس السوق سلعته وكأنها لوحة فنية تتناغم فيها الأشكال والألوان بطريقة تسيل لعاب الصائمين، “فالتجربة علمتني أن الصائم يأكل بعينيه، ومهمتي إغراؤه ليخرج ما في جيبه..الماركتينغ على رأي ابني” يقول البائع ضاحكا.ولم تخطئ استراتيجية البائع بالتأكيد، فطاولته تحلّق حولها الزبائن في لحظات، أحدهم استوقفته الطماطم الكرزية التي تأتي على شكل حبات صغيرة مشابهة لفاكهة الكرز وتزيّن بها السلطة عادة.سأل الزبون البائع إن كانت هذه طماطم أو كرز، فرد البائع أنها طماطم، فطلب أن يضع له منها ثلاث كيلوغرامات، نظر إليه البائع باستغراب، فعادة لا يقتني منها الزبائن أكثر من 500 غرام، كما أن سعرها يصل إلى 600 دينار.قاطعته إحدى المتواجدات في المكان، قائلة “ربما أخطأت أخي، هذه الطماطم يكفي منها 200 غرام لتزيين السلطة ليومين أو ثلاثة”، فرد “ندير بها الشربة والبيتزا عندك مشكل؟” الرد أحرج السيدة التي علقت “اسمحلي” وانسحبت.المشهد الثالث.. “دلاعة” بـ2000 دينارأما في سوق حسين داي، فقد حطم أحد الصائمين الذي فعل فيه الصيام فعلته، الرقم القياسي باقتناء أغلى “دلاعة”، تستحق دخول موسوعة غينيس للأرقام القياسية.فصاحبنا المغرم بالبطيخ الأحمر، الفاكهة التي لا يستغني عنها الكثير من الصائمين في السهرات الرمضانية، وقع في غرام “دلاعة” من “الوزن الثقيل”، ووجد فيها ما يروي ظمأه بعد يوم صيام شاق وحار.ولأن سعر البطيخ الأحمر بلغ مستويات جنونية في رمضان، حيث وصل إلى 150 دينار للكيلوغرام الواحد، فقد بلغ سعر هذه “الدلاعة” 2000 دينار بالتمام والكمال، إلا أن الصائم الذي لم يقاوم إغراء تخيّل “برج الدلاع” البارد في سهرة حارة، لم يجد مانعا في دفع ثمنها الذي كان يمكن أن يقتني به الكبد أو الجمبري عوض “الماء الأحمر” كما علق من سمع بهذه “الصفقة”، لكن السؤال الذي يبقى مطروحا، ماذا لو بعد كل هذا كانت الفاكهة بيضاء؟.المشهد الرابع.. مائدة رمضانية “امبورتي”في المركز  التجاري “أرديس في العاصمة”، حيث يجد الصائم الذي يقع تحت سطوة بطنه ما يشتهي، تقف على مشاهد وفصول مهربة حقا من مسرحية أو سلسلة كوميدية، ففي كل جناح عرض حكاية.ارتأينا أن تكون البداية من جناح بيع المأكولات الجاهزة، فقط لأن الرائحة جذبتنا مثلنا مثل الزبائن الذين سبقونا واصطفوا في المكان ينتظرون دورهم، أحدهم اقتنى “المثوم” وطبق دجاج بالصلصة، وهمّ لاقتناء طبق ثالث، قبل أن تتدخل زوجته التي حاولت إثناءه عن رأيه، بحجة أنها حضّرت مائدة الإفطار وراحت تحدّثه بصوت منخفض حتى لا تثير انتباه بقية الزبائن، إلا أن الزوج لم يجد حرجا في الرد بصوت عال “ تشهيتها.. توجد ثلاجة يمكنك تجميد الأكل الذي حضرته للأيام القادمة” لتنسحب الزوجة في هدوء، ربما تجنّبا لإثارة أعصاب زوجها أكثر أمام “جمهور” الزبائن.المشهد الخامس.. سلعة متكدسة عند الدفعبعد أن تنتهي جولة التسوق في المركز التجاري، وتزور كل الأجنحة من مكان عرض الخبز معشوق الجزائريين، الذي يخرج المتسوقون منه محملين بأشكال وأنواع، أو اللحوم بأنواعها والأجبان وحتى الأواني التي لا يزال الطلب عليها متواصلا لتغيير ديكور المائدة في رمضان، وعندما تصل إلى مكان الدفع، هناك تجد مشهدا آخر. فالكثير من المتسوقين الصائمين، يضطرون للتخلي عن بعض مشترياتهم إن لم نقل أغلبها، لأنهم يكتشفون أنهم اقتنوا ما يفوق بكثير ما تحمله حافظة النقود، مثل شاب وصل حاملا سبعة أكياس وغادر بكيسين فقط، فلم ينتبه وهو يتبع هوى ما اشتهت نفسه أن ميزانيته لا تسمح، فطلب من الشابة التي كانت تسجل المشتريات العفو، لترد مبتسمة “لا عليك، لست الوحيد منذ أن بدأ شهر الصيام”.   

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: